مع اقتراب الذكري الأولي لثورة 25 يناير المجيدة يثور سؤال في غاية الأهمية : من يملك حق الحديث باسم هذه الثورة العظيمة؟.. هل يستحق هذا الحق مجموعة الشباب الذين خرجوا ذلك اليوم يهتفون سلمية سلمية ويقدمون الورود الي رجال الأمن ويعلنون مطالبهم "عيش - حرية - عدالة اجتماعية " والذين لم تكن تلك هي المرة الأولي التي يخرجون فيها للتظاهر واعلاء مطالبهم؟. وانتهي اليوم الأول بنجاح أجهزة الأمن القمعية بقيادة حبيب العادلي والعاملين في جهاز أمن الدولة في تفريقهم بعد استخدام مختلف أسلحة فض المظاهرات من خراطيم المياه وقنابل الغاز المسيل للدموع والعصي والهراوات وأسلحة رصاص الخرطوش . ولأن شباب حركة 6 أبريل كان هو صاحب الأغلبية في تجميع هؤلاء الشباب بعد حشد هائل عبر صفحات موقعي التواصل الاجتماعي الفيسبوك وتويتر ومعهم أعضاء من حركة كفاية التي كانت هي السباقة في اعلان رفض مشروع التوريث البغيض الذي كان السبب الرئيسي في غضب الشارع المصري . أم يمتلك هذا الحق في الحديث باسم الثورة المهندس ممدوح حمزة الذي أعلن أنه هو الممول الحقيقي لحركة 6 أبريل التي وصف هو أعضاءها فيما بعد بالشباب العاق الذي انفض من حوله بمجرد ان تحول كل منهم الي نجم مطلوب للحديث عبر شاشات الفضائيات؟ . أم يمتلك هذا الحق جماعة الاخوان المسلمين التي اتخذت قرارها بالنزول الي الشارع لحماية هؤلاء الشباب يوم جمعة الغضب في 28 يناير وهو ما تحقق بالفعل واستمر حتي يوم موقعة الجمل الشهيرة ؟.. وكانت جمعة الغضب هي الجمعة التي شهدت البداية الحقيقية للمشاركة الشعبية بفعل الغضب المكتوم الذي نتج عن الأخطاء الكارثية للنظام البائد سياسيا واقتصاديا وأمنيا التي كانت ذروتها في اعلان الاحتكار السياسي الشامل من خلال التزوير الذي فاق الفضيحة لانتخابات مجلس الشعب وانتهاك أحكام القضاء الاداري التي قضت ببطلان العملية الانتخابية برمتها . أم يمتلك هذا الحق للحديث باسم الثورة مجموعة أحزاب المعارضة التقليدية القديمة مثل الوفد الليبرالي والتجمع اليساري والكرامة الناصري الذين وفروا الغطاء الشرعي والسياسي لمضي هذه الثورة الي تحقيق أهدافها عندما أعلنوا - في بيانات رسمية - أنه حان وقت رحيل النظام الذي سقطت عنه كل شرعية ؟ .. أم يستحق هذا الشرف بالحديث باسم الثورة الأعظم في التاريخ البشري الشعب المصري كله الذي خرج بالملايين في كل المحافظات المصرية وبقي في الشوارع مانحا تلك المظاهرات بالفعل وصف الثورة الشعبية الأضخم التي جعلت العالم يقف مشدوها أمامها . فعندما بلغ عدد المصريين في الشوارع نحو 15 مليونا علي أقل تقدير كان هؤلاء يمثلون نحو 60 مليون مصري يعلنون في وقت واحد أنهم يريدون اسقاط النظام . هذه الحقيقة المنطقية تؤكد أن أحدا بعينه لا يملك توكيل الحقوق الحصرية للحديث باسم الثورة المصرية وانما هو حق للشعب المصري بأكمله الا قليلا . وعليه فان أي حديث عن الثورة ومستقبلها وأهدافها ينبغي أن ينطلق من الشعب المصري كله . وما دمنا قد اجرينا الانتخابات التشريعية الأنزه في تاريخ مصر بمشاركة نحو 30 مليونا من بين 50 مليونا يملكون حق التصويت واضعين في الاعتبار أن هناك ظروفا خاصة حالت دون مشاركة 8 ملايين علي الأقل بينهم العسكريون في القوات المسلحة والشرطة وملايين المصريين في الخارج فانه يتعين علينا أن نعرف أن اي اختيار لهؤلاء الملايين الحقيقيين - وليس المفترضين - هو الاختيار النهائي الذي لا تعقيب عليه بوصفه الخيار الديمقراطي . واذا كان الشعب منح ثقته للتيار الاسلامي بنسبة تتخطي 70٪ منها نحو 41 ٪ للاخوان علي رغم انهم حرصوا علي عدم الترشيخ سوي في 60 ٪ فقط من الدوائر حرصا علي اتاحة الفرصة للمشاركة لباقي التيارات فانني أري أن أي حديث آخر سيكون حديثا مغلوطا مناقضا لأبسط معاني الديمقراطية وهي الحكم للشعب لأن الشعب هو مصدر السلطات جميعا . ولأن الاختيار كان شعبيا فانني علي ثقة من قدرة الشعب المصري كله علي حماية اختياراته والدفاع عن مصر واسقاط اية محاولات تريد السوء بمصر كنانة الله في أرضه. أعجبني : كان حديثه شديد الصدق والشجاعة يقطر وطنية . وامتلك كل أدوات الاقناع بثقافته العالية وقدرته الهائلة علي الامساك بتلابيب المتابع ومنع اية فرصة لايقاف التدفق المتوالي في أسانيده وحيثياته ودفوعه دفاعا عن مصر الخير والنماء والبناء. اختار من الألفاظ أبسطها ومن المعاني أعمقها ومن الأوصاف أنظفها وهو يتحدث عن من يؤيده في رأيه أو من يعارضه فيه . لم ينافق أحدا ولم يماليء طرفا علي حساب طرف فقدم درسا بليغا في التفكير المنطقي ووضع مصلحة مصر فوق كل اعتبار . لم أشهد حوارا تلفزيونيا يكاد فيه القائم بالحوار مختفيا لأن الضيف أقوي من أن يقاطع مثلما شهدت هذا الحوار للفنان الرائع المثقف محمد صبحي مع الاعلامي عمرو الليثي علي قناة المحور . أتمني أن يكون الدرس أثر بما يكفي في الليثي الذي ينسي - أحيانا ذ أنه اعلامي محايد ويتصرف - كما تحول الكثيرون - الي زعيم سياسي . لم يعجبني : عندما أرسل المندوب السامي البريطاني مجموعة من الضباط الانجليز بدباباتهم لمحاصرة قصر عابدين مقر الملك فاروق يوم 4 فبراير 1942 لاجباره علي تكليف مصطفي النحاس زعيم الوفد بتشكيل حكومة بصفته الحزب صاحب الشعبية الأكبر في مصر وقتها ورفضا لرغبة الملك فاروق في تشكيل حكومة قومية، وقفت كل القوي السياسية - بما فيها القوي السياسية المعارضة للقصر - الي جانب الملك وانتقدت موقف زعيم الأمة مصطفي النحاس الذي قبل تشكيل الحكومة بدعم الدبابات الانجليزية . وكانت هذه الحادثة الشهيرة سببا في ارتفاع شعبية الملك فاروق الذي اعتبر المصريون رفضه المبدئي لتدخل الانجليز في الشؤون الداخلية للبلاد دليلا علي وطنيته. لذلك ساءني للغاية ان مدعي الوطنية من المسؤولين عن منظمات حقوق الانسان والمنظمات الحقوقية صمتوا تماما وهم يتابعون التصريحات المستفزة للخارجية الأميركية بل ولوزارة الدفاع الأميركية التي تضمنت ما يعتبر تهديدا للمجلس الأعلي للقوات المسلحة بصفتها المسؤولة عن حكم مصر بسبب مباغته تلك المراكز لتفتيشها بسبب بلاغات مقدمة ضدها بتلقي أموال أجنبية دون الحصول علي تصريح من الحكومة المصرية . وكان يمكن لهؤلاء "المصريين " أن يكتسبوا احترام المصريين جميعا لو عبروا - بالكلام فقط حتي - عن رفضهم للتدخل السافر في الشؤون المصرية كما لو كانت مصر تحت الوصاية . لكنهم لم ينبسوا ببنت شفة بما يؤكد أنهم وضعوا مصالحهم "الخاصة" قبل مصلحة مصر العامة وكان هذا الموقف تفسيرا متأخرا يجيب عن سؤال : لماذ لم تتعرض السفارة الأميركية ومصالح اميركا لأي مظاهرات خلال 25 يناير وما أعقبها من أحداث !. حفظ الله مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان.