تستهويني سيرة حياة السيدة هدي شعراوي ابنة محمد سلطان باشا، رئيس المجلس النيابي الأول في مصر في عهد الخديو توفيق، يستهويني نضال ابنة الصعيد المولودة في المنيا التي خرجت في 16 مارس 1919 علي رأس مظاهرة نسائية من 300 سيدة مصرية للمناداة بالإفراج عن الزعيم سعد زغلول ورفاقه. مقابل هدي شعراوي الرمز الساكن في ضمير الامة ، هناك عشرات الرموز التي تستهويني سيرتهن، من بينهن سيدة مصرية عظيمة كرمها العالم في اكثر من مناسبة، لكن الوطن ضن عليها بالتكريم الذي تستحقه، وهذا هو المحزن والمؤلم، تستهويني سيرة د. هدي وصفي التي انسحبت من الحياة الثقافية باستقالتها من رئاسة تحرير »فصول«، واستقالتها من رئاسة مركز الهناجر للفنون الذي اسسته وجعلته من أهم مراكز الاشعاع الثقافي مصريا وعربيا وعالميا. هاتفتني د. هدي وصفي منذ ما يقرب من شهرين تبلغني بمرارة انها تقدمت باستقالتها من مركز الهناجر، لما تتعرض له من هجوم لا مبرر له ممن مدت لهم اليد وقدمت لهم العون، حاولت ان اثنيها عن قرارها لكنها اخبرتني ان الامر قد انتهي ولن تغادر الهناجر إلا بعد افتتاحه الذي جري بالأمس ، لقد روت د. هدي لواحدة من الصحف الاسباب التي دفعتها لتقديم الاستقالة سواء فيما يتعلق بالظروف العائلية الشديدة الصعوبة التي تستدعي تفرغها، أو شعورها بما تعرضت له من جحود ونكران وعدم تقدير. تعد الدكتورة هدي وصفي واحدة من أبرز الشخصيات المصرية والعربية في مجالات الفكر والأدب الروائي والأدب المقارن والنقد الأكاديمي، علي يديها تخرجت اجيال من كلية الاداب واكاديمية الفنون، كرمتها فرنسا بوسام فارس، كرمتها المانيا وايطاليا وانجلترا والولايات المتحدة وتونس واليابان وسوريا والجزائر ولبنان، كرمها اليونسكو بعد 8 سنوات من افتتاح الذي اسسته وتم اختياره كأفضل مركز ثقافي في دول جنوب المتوسط، وللأسف الشديد لم تلق من بلدها واحدا علي عشرة من الحفاوة التكريمية والتقديرية التي وجدتها في الكثير من بلاد العالم! المرة الوحيدة التي كرمت فيها داخل مصر كانت من المهرجان القومي للمسرح المصري، تحرجت من قبول التكريم عندما ابلغها به د. أشرف زكي رئيس المهرجان وقتها، قالت لي »كيف اقبل هذا التكريم وانا امين عام اللجنة العليا لهذا المهرجان«، واعتذرت لما تتمتع به من حيادية وعزة نفس، لكننا اخبرناها ان المهرجان يكرمها بصفتها علامة مؤثرة في الحركة المسرحية كمفكرة وناقدة واكاديمية وكاتبة وادارية وليس بصفتها عضوا مؤسسا في المهرجان ، قالت »سوف يهاجمونني ويهاجموا المهرجان«، وبالفعل خرجت اصوات الخواء الثقافي والفراغ الاعلامي تهاجمها كما توقعت، وتلك آفة المناخ الثقافي الملوث الذي تم افساده وشحنه بالكراهية والانا المقيتة ضد كل رمز مضيء له مكانته العالمية التي تعلي من اسم مصر في الخارج. في عام 1982 اختيرت د. هدي وصفي كأول عضو مصري وعربي بمنظمة اليونسكو، اختيرت مستشارا لوزير الثقافة للعقد العالمي للتنمية الثقافية باليونسكو، ادارت المسرح القومي باقتدار، واسست مركز الهناجر للفنون، قدمت للمكتبة 75 كتابا ادبيا وفلسفيا بالعربية والفرنسية، ألم يحن الوقت بعد لتكريمها من بلدها التكريم الذي يليق بها؟ سؤال.. ارجو ان اري اجابة له عند د. شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الجديد، وهو الاكاديمي الذي يعرف حق المعرفة من هي د. هدي وصفي.