رحم الله الاستاذ بشير مدرس اللغة العربية أو مساه الله بخير ان كان مازال حيا يرزق.. كان يدرس لنا العربي في الصف الاول الثانوي بمدرسة بنباقادن الثانوية عام 0791، وعندما منح زميلا لنا في موضوع التعبير سبعة من عشرة كنا نندهش خاصة اننا لم نجد اي خطأ املائي أو نحوي وكان رده عندما سأله: انقصت درجاتك عشان الاسلوب!! ذات مرة ضرب لنا الاستاذ بشير مثلا لخطأ أسلوبي في اغنية لفريد الأطرش.. تقول: جميل جمال ملوش مثال ولا في الخيال زي الغزال.. ونبهنا الاستاذ بشير أن الصحيح أن يقول: جميل جمال زي الغزال ملوش مثال ولا في الخيال.. هنا يصبح غزالا ليس له مثال ولا في الخيال، أما أن يكون جماله ملوش مثال ولا في الخيال ثم يشبه بالغزال فهذا هو الخطأ الاسلوبي. كانت ملاحظات الاستاذ بشير كفيلة بان اكثر من القراءة والتمحيص والتدقيق فيما تطالعه عيناي، كثيرا ما كنت ابحث عن الاخطاء الاسلوبية، طبعا كان من الصعب ان اعثر عليها في الكتب ولكن كان سهلا جدا ان اجدها في الصحف سواء في صياغة الاخبار أو كتابة المقالات. تذكرت الاستاذ بشير وتعليقه وانا اشاهد في التليفزيون نجم السينما أحمد حلمي يصف النجاح الذي حققه اخر افلامه قائلا احسن حاجة في النجاح انك متحسش به!! كنت اجلس في صالة التحرير مع زملاء لي من اجيال مختلفة وسألتهم يعني ايه الكلام ده؟ لم اجد سوي السخرية والاستهزاء بما قاله النجم الشاب بل ان احدا من الجالسين في عمر ابنائي وهو الزميل عبدالجليل محمد قهقه مؤكدا ان ما قلته انا هو نفس تعليق ابيه في البيت، قلت: يعني جيلي انا وابوك هو الذي لم يفهم ما يقصده الممثل الشاب؟.. قال: عفوا فنحن ايضا جيل الشباب لا نعرف ما المقصود من هذا التعبير وما معني ان تنجح دون ان تشعر بذلك النجاح ودون ان تنتشي بما حققته وتعتز بما وصلت اليه وإلا فليتساو ايضا الفشل مع النجاح، ويا سلام لو الفاشلين لم يحسوا ايضا بفشلهم؟! اوقفني كلام الزميل الشاب عند محطات متعددة من قطار الحياة، كثيرا ما تقع في براثن حَسُن البيان صاحب الاسلوب البديع الذي يجعلك تخلع عينيك وتمنحها اياه مسلوب الارادة غير راض عما تفعله ولكنك لاتملك ازاء بيانه الحسن سوي ان تنصاع لما يطلبه وبعد ان تفيق لا ينفعك الندم. اما هذا الاخر الذي لا يملك من البيان شيئا حسنا أو حتي سيئا فعندما يحاصرك وتحاول الهرب من الحصار تفاجأ به ينتهز سعة صدرك وحرصك علي ألا تجرح مشاعره في الوقت الذي لا يفطن فيه إلي حماقته التي لا تملك ان تداويها وعليك ان تدفع الثمن من اعصابك وعدم قدرتك علي التلون والتكيف مع الذي ساقه اليك القدر. صنف ثالث سواء كتب أو تكلم، بعضهم يشجيك في اسلوبه وتناوله لصياغة الجملة إلي الحد الذي تتمني ان تكون مثله من ارباب هذا السهل الممتنع، بل ان منهم من اذا تحدث وقمت بتسجيل كلامه وتفريغه علي الورق فلن تجد افضل مما قاله ارتجالا تعبيرا عن الفكرة أو الموضوع الذي تحدث بشأنه. اما البعض الذين لا يملكون اسلوبا أو حتي ثقافة تؤهلهم ان يتصدوا للقضايا والافكار التي يتعرضون لها، فهؤلاء اجارك الله اذا وقعت عيناك علي ما يكتبون أو اذناك علي ما يقولون.. وخير لك مع هؤلاء ان تبتعد وان تمسك عليك لسانك بدلا من التيه الذي يجرونك اليه ان حاولت التصحيح والتعديل. هؤلاء يظنون انهم يأتون بما لم يستطعه الاوائل.. أنهم الحمقي وقديما قالوا لكل داء دواء.. إلا الحماقة أعيت من يداويها.