هل يشهد العام الجديد، الذي يهل علينا اليوم، عودة طيورنا المهاجرة بفعل ظروف القهر إلي حضن مصر بعد اختلاف الأوضاع بنجاح ثورة 25 يناير؟ سؤال أود أن أطرحه علي الدكتور شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة، بعد أن أعرب لي أكثر من مبدع ومثقف مصري يعيش في الخارج عن رغبته في العودة إلي مصر لأداء واجبه في ظل هذا العهد الجديد الذي يشرق علي بلادنا، ولكنهم يحتاجون إلي فرصة العمل المناسبة لمواهبهم وطاقاتهم الخلاّقة. وحتي لا يتصور البعض أنني أتحدث في المطلق أسوق إليكم هذه الرسالة المؤثرة التي حملها إليّ بريدي هذا الأسبوع، رسالة موقعة باسم الشاعر المصري حمزة قناوي، وفيها يوضح لي أنه يعمل في إحدي المؤسسات الصحفية الكبري في الخليج، وأنه التحق بالعمل فيها بعد أن وجد نفسه مفصولاً من عمله في وزارة الثقافة بسبب نشره لمقال عن "المجلس الأعلي للثقافة". يقول حمزة قناوي: "لست نادماً علي الرحلة التي قطعتها؛ ولكنني كنت حزيناً - ومازلت - لأنني مقصي دوماً من المشهد الثقافي في بلدي.. خمس سنوات وأنا في الخارج، وكما تعلم لقد خرجت من مصر بعد أن نشرت روايتي (المثقفون) التي يصنفها البعض كسيرة ذاتية وقد أثارت ضجيجاً وجدلاً كبيرين". ولا تزال ذاكرتي تحتفظ حتي الآن بفرحة الصديق حمزة قناوي وهو يتسلم في عام 2000 جائزة الدكتورة سعاد الصباح للإبداع الأدبي عن أفضل مجموعة شعرية علي مستوي الوطن العربي (أكذوبة السعادة المغادرة)، وقد توقعت له مستقبلاً مشرقاً تأكد بالفعل بحصوله هذا العام علي المركز الأول في مسابقة أحمد بهاء الدين للإبداع الفكري عن كتابه (من أوراق شاب مصري)، الذي تحمست دار الآداب في بيروت لنشره بعد تتويجه بالجائزة. وخلال هذه الفترة ما بين الجائزتين لم يكف حمزة قناوي عن حصد جوائز الإبداع: جائزة قصور الثقافة عن أفضل قصيدة لعام 2001، جائزة مؤسسة اقرأ الثقافية الخيرية عن أفضل مجموعة شعرية خلال أعوام 2005، 6002، 7002، ومن جديد تتوجه إليه جائزة قصور الثقافة في مصر عن أفضل مجموعة شعرية عام 2008 عن ديوانه (علي أنامل عاشقين) وبأسي بالغ يعلق قناوي علي هذا بقوله: "للأسف لم يقدر لي أن أفرح بالفوز لأنني هنا.. بعيد في غربتي".. ومن حق حمزة قناوي أن يشعر بالأسي وهو يقضي سني عمره في غربة قصيةٍ فهو مؤهل للقيام بدور نحتاج إليه هنا في مصر، وقد تجمعت لديه العديد من الخبرات بعد أن سلك طريق البحث العلمي لدعم موهبته الإبداعية بالمنهجية، فعقب حصوله علي درجة الليسانس من قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة عين شمس عام 2000، توجه إلي دار العلوم بجامعة القاهرة وحصل منها علي دبلوم الدراسات العليا في الأدب والنقد في عام 2002، ثم سجل أطروحة نقدية بآداب القاهرة حول (أدب الرفض وفنيات توظيف فكرة المقاومة في روايات صنع الله ابراهيم). . وعندما أثار كتاب »المثقفون« ضجةً في مصر دعا (المجلس الثقافي بجنوب لبنان) حمزة قناوي للاحتفاء بتجربته هذه ومناقشتها علي منصته، وهو ما قد حدث وكانت أمسيةً حاشدة تناقل فيها الحاضرون الكتاب وعلّقت عليه صحف لبنان في اليوم التالي مندهشةً من كتابٍ يثير أوضاع مصر المسكوت عنها إلي هذا الحد (في فترة ما قبل الثورة) وقد صدر الكتاب عام 2008 . وكان هذا الحراك الفاعل هو ما أهّله لتمثيل مصر في العديد من المحافل العربية والدولية ومنها مشاركته في فعاليات الجزائر عاصمة للثقافة العربية في عام 2007 حيث حصل علي وسام المكتبة الوطنية الجزائرية، وفي فعاليات مهرجان دمشق عاصمة للثقافة العربية في عام 2008. وفي احتفالية الدوحة عاصمةً للثقافة العربية عام 2010 وأقيمت أمسيته في المسرح الوطني بقطر بعدما جاء ترشيحه للاحتفالية بشكل فردي غير متكئ علي ترشيح مؤسسي أو ضمن وفد مشارك، إنما وجّهت له الدعوة من أمانة الاحتفالية مباشرةً تقديراً لمنجزه الشعري. وهو الأمر الذي تكرر مع دعوته إلي مهرجان القرين بالكويت 2008 أقدم المهرجانات الثقافية في الخليج وأكثرها عراقةً .. ومرةً أخري لا يذهب الفتي رقماً ضمن وفدٍ مشارك أو تحمله الطائرة المصرية إنما يذهب متأبطاً وحدته ودواوينه حاملاً حقيبته وقد أقلته الطائرة الكويتية في المرتين. . ولعل هذا هو ما جعل مؤسسة هاي فيستيفال تختاره ضمن أفضل مائة كاتب عربي شاب تحت الأربعين عاماً في البيبليوجرافيا التي أعلنتها في معرض فرانكفورت للكتاب في دورة 2009، واضعة في اعتبارها ما أصدر من مجموعات شعرية متعددة: (الأسئلة العطشي) 2، (أغنيات الخريف الأخيرة) 2004 (بحار النبوءة الزرقاء) 2006 (قصائدٌ لها) 2007 (الغريب.. قصائد باريس) 2008. أعود إلي صديقي الدكتور شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة، الذي أدرك جيداً صعوبة مهمته في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها مصر، طالباً منه أن يسعي بجد إلي استعادة هذه الطاقات المبدعة إلي مصر. وأنا علي يقين أنه يعرف شخصياً الكثير منها.