بعد ليلة سوداء نقضيها في متابعة الأحداث الكارثية في منطقة مجلس الوزراء والبرلمان، يكون من نكد الدنيا أن تبدأ اليوم الجديد باحثا عن أي جديد في الموقف، فتفاجأ في التليفزيون الحكومي بمذيعة تتغندر بلا مناسبة، وهي تقرأ من ورقة أمامها بعض ما نشر في الصحف ثم تقف عند خبر يتحدث عن المطالبة بسرعة التحقيق في الأحداث الكارثية وتتبرع بالإفتاء: »هوه فيه إيه؟.. يعني عاوزين ندوس علي زر فينتهي التحقيق؟«. تتساوي البلاهة هنا مع استفزاز مشاعر ناس فقدوا شهداء، وأسر تبحث عن أبنائها في المستشفيات، وحزن علي ما جري وخوف من آثاره. ربما كان الوضع كله قد تغير، لو أن التحقيق في كوارث اخري قد انتهي بنتيجة، ولو اننا حددنا المسئولية في أحداث ماسبيرو، أو في أحداث الاعتداء علي أسر الشهداء التي فجرت كارثة محمد محمود. وربما كان الوضع كله قد تغير لو اننا حاسبنا المسئولين واخذنا حق الشهداء وحق الوطن بدلا من الحديث عن »اللهو الخفي« الذي يرتكب كل الجرائم ويقود مصر إلي المجهول، ثم يبقي بعيدا عن الحساب! وربما كان الوضع كله قد تغير لو أننا عرفنا أين يقع الخطأ في إدارة الأمور، وأدركنا ان الصدام بين قوي الثورة وسلطة الحكم أمر لا ينبغي ان يحدث، ولابد من التعامل معه بجدية، بدلا من ترك الأمور تسير في الطريق الخطأ، الذي لا يستفيد منه إلا أعداء الثورة والقوي الساعية لاستنزاف مصر وإبقائها تحت الحصار. أسوأ ما نواجهه اليوم، أن تصبح مثل هذه الاحداث هي »الأمر العادي« الذي نستقبله باعتباره فقط من الحوادث المؤسفة، وليس من الكوارث التي تعبر عن عمق الأزمة التي نمر بها، والتي تأخذ الوطن إلي المجهول! أسوأ ما نواجهه اليوم، أن يعتاد »البعض« علي دماء الشهداء وصرخات الجرحي، وصدامات الشباب مع الأمن، بدلا من أن يتوحد الجميع لتحقيق أهداف الثورة التي لم يتحقق منها شيء كثير حتي الآن!! وأسوأ من كل ذلك ألا يستمع أحد إلي صرخاتنا المتكررة بأن يبقي جيش مصر العظيم في مكانته موضع إجماع كل الشعب، وألا ينجر أبدا لصدامات داخلية تبعده عن دوره الأساسي حاميا للدولة وشريكا في الثورة. التحقيق السريع والمستقل مطلوب، ووقف العنف ضروري، والحفاظ علي مؤسسات الدولة مهمتنا جميعا، وحق الشهداء لا يمكن التفريط فيه. ولكن ذلك كله مرتبط بالإجابة علي سؤال رئيسي: لماذا الإصرار علي السير في الطريق الخطأ؟!