سعدنا باختياركم د. شاكر عبدالحميد وزيرا للثقافة قادما من المجلس الاعلي للثقافة حيث كنت امينا عاما للمجلس ومن اكاديمية الفنون حيث كنت عميدا للمعهد العالي للنقد الفني وباعتبارك واحدا من كبار الاساتذة المتخصصين في دراسات الابداع والتذوق الفني والنقد الادبي والفنون التشكيلية . ولعل هذه الخلفية والخبرة الثرية تجعلنا نتوقع منكم الكثير لنهضة الثقافة المصرية وانتشالها من الوضع »الكارثي« الذي تعيشه حاليا- كما اكد الدكتور جابر عصفور- الذي سبق له ان شغل نفس مناصبك امينا عاما للمجلس الاعلي للثقافة ووزيرا للثقافة لفترة قصيرة من اوائل ثورة يناير.. ولقد تردد فور اعلان نبأ اختياركم وزيرا للثقافة انك لن تستطيع الصمود امام ما سمته مصادر في الوزارة »مافيا وزارة الثقافة« حيث اكد البعض ان من بين اسباب خروج الوزراء الثلاثة السابقين »عماد ابوغازي وعبدالمنعم الصاوي وجابر عصفور« المعارك الشديدة التي واجهوها داخل وزارة الثقافة. ثم كان اول تصريح لكم في 4 ديسمبر بجريدة المصري اليوم يوضح ان خطتكم العاجلة تتضمن ملء المواقع الشاغرة في قطاعات الوزارة وتعيين شخصيات اكفاء لهذه المناصب لافتا الي انه من بين المواقع الشاغرة موقع رئيس المجلس الاعلي للثقافة وقطاع الانتاج الثقافي بالاضافة الي وضع استراتيجية قصيرة المدي تتناسب مع الفترة المحددة المقبلة لتطوير قطاعات وهيئات الوزارة ووضع خطة تنفيذية تثقيفية للتعامل مع الشباب. ثم جاء تصريحكم الثاني في نفس اليوم بجريدة الوفد يتصدره عنوان »لا تغيير في قيادات الوزارة.. والعمل بروح الفريق« والحقيقة ان هذه التصريحات بدت لي انك تركز علي تطوير اداري لقطاعات الوزارة بأكثر مما يكشف لنا عن تصور استراتيجي شامل او سياسة ثقافية تتلاءم مع طموحاتنا في هذا المجال الحيوي في هذه المرحلة التاريخية التي تعيشها مصر بعمقها الحضاري والتراثي العريق.. ولم يخفف انطباعنا الاول قراركم الاخير بنشر 01 كراسات مبسطة بسعر زهيد لتنمية الوعي الثقافي الا ان آمالنا تتجدد بمستقبل ثقافي واعد عندما نقرأ مقالكم الاسبوعي القيم في جريدة الاهرام وما يكشف عنه من خلفية علمية وفنية متميزة.. وحول المفهوم الاشمل للثقافة يحضرني الان كتاب الدكتور طه حسين الذي وضعه عام 8391 من جزءين بعنوان »مستقبل الثقافة في مصر« وقبل ان يكوين لدينا وزارة ثقافة يقول طه حسين في اول الكتاب: »... نحن نعيش في عصر من اخص ما يوصف به ان الحرية والاستقلال فيه ليسا غاية تقصد اليها الشعوب وتسعي اليها الامم وانما هما وسيلة الي اغراض ارقي منها وابقي، واشمل فائدة واعم نفعا. وقد كانت شعوب كثيرة من الناس في اقطار كثيرة من الارض تعيش حرة مستقلة، فلم تغن عنها الحرية شيئا، ولم يجد عليها الاستقلال نفعا، ولم تعصمها الحرية والاستقلال من ان تعتدي عليها شعوب اخري تستمتع بالحرية والاستقلال، ولكنها لا تكتفي بها ولا تراها غايتها القصوي، وانما تضيف اليهما شيئا آخر او اشياء اخري.. تضيف اليهما الحضارة التي تقوم علي الثقافة والعلم والقوة التي تنشأ عن الثقافة والعلم والثروة التي تنتجها الثقافة والعلم. ولولا ان مصر قصرت طائعة او كارهة في ذات الثقافة والعلم لما فقدت حريتها ولما اضاعت استقلالها، ولما احتاجت الي هذا الجهاد العنيف الشريف لتسترد الحرية وتستعيد الاستقلال«. ويختتم طه حسين كتابه بالقول: »... فليست الثقافة وطنية خالصة ولا انسانية خالصة ولكنها وطنية انسانية معا وهي في اكثر الاحيان فردية ايضا، فمن ذا الذي يمحو بيتهوفن من موسيقي بيتهوفن؟ واذن ففي مصر ثقافة مصرية انسانية فيها شخصية مصر القديمة الهادئة، وفيها شخصية مصر الباقية الخالدة وهي في نفس الوقت انسانية قادرة ان تغزو قلوب الناس وعقولهم وتخرجهم من الظلمة الي النور، وقادرة علي ان تتيح لهم من اللذة والمتاع مما يجدونه او لا يجدونه في ثقافتهم الخاصة. علي اي حال قبل ان يستغرق الوزير في علاج المشكلات الادارية التي عبر عنها في تصريحاته وقبل أن يحيط به اخطبوط الروتين والبيروقراطية علي حساب الابداع الذي هو استاذه.. اود ان اشير علي السيد وزير الثقافة الجديد ان يولي عنايته واولوياته الي عدد من القضايا والملفات المعلقة حاليا بوزارة الثقافة. اولا: وضع سياسة ثقافية لمصر تتفق مع المرحلة الجديدة »وكان من المفترض ان تنبع سياسة ثقافية من مؤتمر عام للمثقفين حاولت وزارة الثقافة بانعقاده منذ عامين ولكنه لم يتم«. ثانيا: وضع خطة عمل عاجلة وآجلة لنهضة الثقافة بمصر في اطار السياسة المتفق عليها وتركز الخطة علي تطوير الابداع والانتاج الثقافي في مختلف الفروع ولاتقتصر علي تطوير المؤسسات الثقافية. ثالثا: المجلس الاعلي للثقافة الذي يمثل المؤسسة الثقافية الاساسية والذي يضم 3 شعب للفنون والاداب والعلوم الاجتماعية يتفرع عنها »62 لجنة متخصصة« ويضم في عضويته رموز الفكر والادب وصفوة المثقفين والعلماء والخبراء.. هذا المجلس مجمد الان منذ حوالي العام ولا احد يعرف مصيره. رابعا: قطاع الانتاج الثقافي يضم عدة وحدات متخصصة في السينما والمسرح والفنون الشعبية والاستعراضية ولا غرابة في ذلك فكلها وحدات انتاجية ولكن الغريب ان هذا القطاع يضم ايضامكتبة القاهرة الكبري وهي اكبر مكتبة عامة في مصر بعد دار الكتب ومكتبة الاسكندرية.. وهذه المكتبة تقدم خدمة ثقافية ولاتقدم انتاجا ثقافيا لذلك فهي تعد جسما غريبا في تبعيتها لهذا القطاع. خامسا: قطاع المكتبات العامة في مصر يعاني من تعدد تبعياتها حيث انها موزعة بين عدة وزارات ومؤسسات وهيئات ومن هنا برز اقتراح بانشاء مجلس اعلي للمكتبات يشكل من المتخصصين ويمثل المظلة التي تنسق بين هذه المكتبات وتضمن لها الاشراف الفني وتطوير نظمها وخدماتها باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة.