كثرت شكاوي مراقبي المرحلة الأولي لانتخابات مجلس الشعب من لجوء الأحزاب التي أعلنت انها تتخذ من الإسلام مرجعية لها.. وأعلنت في الوقت نفسه انها مع الدولة المدنية وأن الاسلام لم يعرف الدولة الدينية.. ومع ذلك الكل شهد بالعين وسمع بالأذن كيف سارت دعايات هذه الأحزاب سواء بميكروفونات أو المنشورات داعية الناخبين لانتخاب منتسبيهم، حتي يدخلوا الجنة والامتناع عن انتخاب الليبراليين والعلمانيين »الكفرة«. لقد كان الأمر واضحا منذ البداية: الإخوان المسلمون الذين عملوا بالسياسة منذ زمن بعيد، وطالبهم الجميع بأن يكفوا عن خلط الدين بالسياسة.. وإذا كانوا يريدون العمل بالسياسة فليتحولوا إلي حزب سياسي. وقد استجاب الإخوان المسلمون.. - ولو إلي حد ما- لهذا النداء العقلاني وكونوا حزب »الحرية والعدالة«، وحرصوا علي أن يفصلوا- ولو شكليا- بين قيادة الحزب وبين مكتب الارشاد أو المناصب القيادية في الجماعة علي أن تكون الجماعة للدعوة والحزب للعمل السياسي. وجاء حزب الوسط الذي أكد أن مرجعيته إسلامية، أكثر تحررا من الدعاوي الدينية، واكثر ميلا لمدنية العمل السياسي والدولة المدنية، وكان ذلك متوافقا مع روح قانون الأحزاب الجديد. أما أحزاب السلفيين والجماعة الإسلامية ابتداءً من حزب النور والأحزاب الأخري مثله فهي ليست فقط ذات مرجعية إسلامية وإنما هي بالفعل والمواقف العملية والتصريحات المعلنة أحزاب مغالية في التطرف الديني بما لا يخفي علي أي ملاحظ، والعجب العجاب أن ينص قانون الأحزاب علي عدم قيام أحزاب دينية ثم تسمح لجنة الأحزاب وبعدها لجنة الانتخابات بقبول هذه الأحزاب وإضفاء المشروعية عليها بما يتنافي مع مواد قانون الأحزاب. سيقولون أن الأوراق والبرامج التي قدمتها هذه الأحزاب ليس فيها ما يدل علي انها أحزاب دينية، وإنما فقط ذات مرجعية دينية. لكن متي يأخذ المدققون بما يعلن في الأوراق وهو »عيني عينك« مناف للممارسة الفعلية قبل وبعد الانتخابات. ان هذه الأحزاب فضلا عن انها لم تكن تمارس السياسة قبل ثورة 52 يناير مدعية ان ذلك بسبب قهر النظام السابق لها.. فإنها اتخذت موقفا عدائيا للثورة عند قيامها.. وعندما نجحت الثورة حاولوا اللحاق بها وركوب الموجة. ثم استغلال الناس الطيبين، واستخدام الأموال الطائلة في شحنهم إلي مراكز الاقتراع، والتزلف لهم بالطعام، والدعايات التي تجد آذانا مصغية من أناس متدينين أصلا إن الأمر كله نفاق للثورة، ينطوي علي عكس ما قامت من أجله الثورة. وهو بكل ووضوح يحتاج لمراجعة للجنة الأحزاب واللجنة العليا للانتخابات من مجلس حقوق الإنسان والجمعيات الأهلية المدافعة عن الديمقراطية وتطابق القوانين مع جوهر ما تحتويه هذه القوانين. ياشباب الثورة.. علقوا اعتصامكم ولو مؤقتاً نحن نتفهم تماما نبل مواقفكم وأمانة مقاصدكم من استمرار التظاهر والاعتصام.. لكن ربما لا يكون مناسبا الاستمرار الآن في ذلك، فالوقت ضيق إلي موعد تسليم السلطة لرئيس وبرلمان منتخبين.. والاعتراضات علي حكومة الدكتور الجنزوري الكثير منها مفهوم. لكن الاعتصام أمام مجلس الوزراء لمنع الدكتور الجنزوري وأعضاء حكومته من ممارسة عملهم في مقر المجلس، ليس ضروريا، ولا هو بصحيح. لقد طالبتم بحكومة ذات صلاحيات وقد أعطيت لها الصلاحيات بالفعل، بقي أن يكون بينكم، وبيننا جميعا، وبين الدكتور الجنزوري وحكومته مسألة واحدة هي مدي التزامه بتنفيذ أهداف الثورة في توفير الأمن والسيطرة علي الأسعار وتنفيذ الحد الأدني والأقصي للأجور تأكيدا لأحد جوانب العدالة الاجتماعية وإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية إلي وضع أفضل، وطبعا، الرعاية الجادة لأسر الشهداء وعلاج مصابي الثورة.