بعد أن شهدت مصر المحروسة مؤخرآً ذلك العرس الرائع للديمقراطية وبعد أن خرج المواطن المصري من كل مكان متجهاً إلي صندوق الانتخابات ليعبر عن رأيه في حرية ونزاهة وشفافية وآدمية وهي اشياء حرم منها منذ ثورة 2591. بعد هذا المهرجان الرائع وبعد أن اكتسح التيار الاسلامي كل صناديق الانتخاب وبعد ان ادركت معظم الاحزاب والتجمعات الكرتونية حجمها الحقيقي علي أرض الكنانة.. وبعد ان اصبحت كلمة فزاعة الإخوان »موضة« قديمة وغير مستساغة بعد ان أخذ الليبراليون والناصريون والشيوعيون يلوكونها سنين طويلة.. رفعت هذه الاحزاب »الاراجوزية« فزاعة جديدة هي فزاعة السلفيين.. فهم يشيعون الآن في كل قناة مأجورة وفي كل لقاء إعلامي بل وفي كل تجمع أو ندوة أو منشور أن »الاخوة المسلمين« سوف يجبرون المرأة علي أن تترك العمل وتلزم البيت وسوف يفرضون الحجاب بالاكراه.. وسوف يغلقون شارع الهرم.. وسوف يضربون بالعصي كل من يضبط خارج المسجد وقت الصلاة وسوف يسحلون كل من لا يلبس الجلباب القصير ويطلق ذقنه حتي تصبح في حجم »المقشة« وسوف يشترون شارع الهرم لتحويله الي مجمعات دينية وسوف وسوف مما يتردد الآن حتي علي ألسنة النخبة.. يساعدهم علي انتشار هذه الدعاوي الكاذبة بعض التصريحات التي يخرج علينا بها بين وقت وآخر بعض رموز السلفيين فللأسف الشديد فإن هذا التيار وأقصد به التيار السلفي يضم بين صفوفه بعض الجهلاء الذين لا يعرفون من الاسلام إلا اسمه ولا من المصحف إلا رسمه.. فهموا الاسلام فهما خاطئا وانغلقوا علي انفسهم انغلاقاً شديداً وخطيرا حتي تحول الاسلام العظيم التقدمي والعادل والوسطي والمتوازن الي ايديولوجية متخلفة تنتمي إلي القرون الوسطي ولا تمت للاسلام الحقيقي بأية صلة لا من قريب ولا من بعيد.. هذه الرموز السلفية المتشددة - ومن رحمة الله بهذا الشعب أنهم قلة - هم اخطر علي الزحف الاسلامي المبارك من كل الحاقدين الذي يتجمعون الآن فيما يشبه مجمع الفاشلين.. وهذا يضع علي كاهل الاغلبية السلفية المعتدلة عبئا ثقيلاً في ضرورة اسكات هذه الاصوات الكئيبة من ناحية وفي الإعلان عن ايديولوجيتها الحقيقية من ناحية أخري والشيء المؤسف ان الكثيرين ومنهم النخبة المثقفة سواء عن حسن نية او عن سوء نية يخلطون خلطاً فاحشا بين ايديولوجية الاخوان المسلمين وبين التيار السلفي.. لقد نشأت الاخوان أول ما نشأت للتصدي لتيار متشدد ومنغلق يتمثل في الجماعات الصوفية.. فقد وجد الاخوان ان الاسلام يتحول علي ايدي هذه الجماعات الي طقوس لا تمت للاسلام بصلة يسودها الجهل والتخلف. ونشأت الدعوي علي ايدي الشهيد حسن البنا في الاصل للتصدي لهؤلاء المتشردين الاغبياء واستمرت الحرب بين الفريقين طوال السنين منذ نشأتها وحتي اليوم ولكن الاخوان المسلمين يمارسون الاسلام بالطريقة السليمة والواعية.. فقد كانت الاسر الاخوانية يقوم نشاطها علي مجالين.. الاول دراسة حديث أو آية قرآنية دراسة واعية متفتحه.. والثاني بناء جسم الاخ المسلم عن طريق انشاء اندية رياضية، لكي يلتحق بها الآخ المسلم لتعلم المصارعة والملاكمة والجمباز.. هذه هي ايديولوجية الاخوان وهذا هو نشاطهم الذي عرفوا به طوال تاريخهم.. حقيقة لقد لجأوا في السنين الأخيرة لانشاء الجهاز السري لحماية الدعوة ولكنه كان جهازاً محدوداً لا ينتظم جموع الاعضاء ولا يعرف أحد عنه شيئا إلا القيادات العليا. الآن اختفي الصراع بين الإخوان والصوفيين ليظهر الخلاف بين الإخوان والسلفيين.. ولست اتصور ان دعوة او تنظيماً قام في الاساس علي محاربة التشدد والانغلاق يمكن ان يتحول إلي تنظيم للانغلاق والجهل. ولكن الامر المؤسف هو أن الأوراق اختلطت اختلاطا شديدا منذ أصبح السلفيون بعد التحالف في الانتخابات الاخيرة محسوبين علي الإخوان.. واصبح كل تصريح من جاهل أو منغلق يحسب علي التيار الاسلامي كله وليس علي صاحبه فقط. ووجدت الجماعات الكرتونية في الاحزاب الفاشلة وفي مجمع الخاسرين الفرص سانحة لإعلان فزاعة جديدة هي فزاعة السلفيين يساعدهم علي كسب مزيد من الارض -كما قلت- وأكرر التصريحات المنغلقة والعشوائية لبعض الرموز العشوائية في التيار السلفي التي بدأنا نطالع وجوهها القبيحة علي شاشات التليفزيون وفي كل لقاء وندوة وحوار ونقاش. ان مصر الازهر الوسطي ومصر الإخوان المعتدلين شيء والتيار الوهابي المأفون شيء آخر بل ان الفجوة بين الاثنين عريضة وعميقة.. علي المواطنين ان يعلنوا ذلك قبل المثقفين وعلي الإخوان أن تعلن بكل وضوح عمن هم وأن يردوا بكل حزم وحسم علي هذه الاصوات النشاذ. ولله الأمر