طلبتني إحدي الصحفيات الشابات من موقع الأهرام الاليكتروني لتأخذ رأيي في قضية تكتب عنها.. القضية هي لماذا لم تظهر أغان وطنية بعد ثورة 52 يناير، كما ظهرت الأغاني الوطنية التي اعقبت ثورة 2591 وظلت في الوجدان.. ولأن كل من سألتهم- لا أعرف من هم- قد أفاضوا في شرح عظمة أغاني الماضي وفقر وقلة إبداع أغاني الحاضر. فقد جاء كلامي لها صارما لأنه عكس المتوقع.. فقد أجبتها بأن الأغاني التي قيلت ما بعد 2591 وحتي 6591 الوطنية منها ليس بها أغان مشهورة ولا معروفة ولا حققت نجاحا شعبيا بل بدأت الأغاني الوطنية التي أحبها الناس مع العدوان الثلاثي علي مصر.. والله زمان يا سلاحي.. الله أكبر ثم يا جمال يا حبيب الملايين وتوالت أغاني الثالوث الرائع حليم وجاهين والطويل والتي أرخت - بحق- للأغنية الوطنية وذلك لأسباب عديدة أهمها ان في تلك الأيام كان هناك مشروع وطني قومي شعبي لابد ان يساهم الفن - وليس الغناء فقط في التعبير عنه. كان الفنانون في حالة التحام مع النظام وكان النظام- والذي يتهمونه بالديكتاتورية التي عادة ما تتسم بالغباء- شديد الذكاء لفهم قيمة تأثير الفن في الوجدان وعندما يحدث هذا الالتحام بين الحلم القومي الجامع تظهر الأعمال الفنية.. الأغاني والأفلام والمسرحيات وحتي فرق الفنون الشعبية.. ولكبار العمر أمثالنا ذكرياتهم عن فرقة رضا والفرقة القومية للفنون الشعبية بل وفرقة رائعة أسسها المحافظ الفنان وجيه أباظة هي فرقة دمنهور للفنون الشعبية.. ان الفن حالة عامة مرتبطة بتطور المجتمع ومصر في تلك الأيام- ما بعد 65 - وحتي 76 في قمة توهجها الاجتماعي والسياسي وبالتالي الفني.. أما العشرة شهور الذين مروا منذ بداية الثورة فكلنا نعلم كم الفوضي والاختلافات والمعارك الموجودة علي الساحة في كل الاتجاهات فماذا تريدون من الفنانين ان ينتجوا من أغان.. ونتحدث عن ماذا وعيوننا معلقة بين اضرابات وبلطجة.. ومحاكمات.. وقتلي وأهالي شهداء يبحثون عن حقوقهم.. ومع ذلك فإنه في رأيي ورأي محمد منير وكل منا له أغنية عن الثورة أن اجمل أغنية قيلت وعبرت بصدق عن ثورة يناير هي بلادي يا بلادي التي غناها ولحنها الفنان الرائع والصادق عزيز الشافعي وفي رأيي هي أجمل من أغنية القديرة شادية يا حبيبتي يا مصر والتي يصرون جميعا - طبعا الجيل القديم- انها أغنية الثورة.. لم يكتفوا بسرقة الثورة بل يصرون علي الصاق أغنية لا تمت للثورة ولا لشبابها بالثورة لمجرد أن الناس كانت تغنيها في الميدان مع إذاعتها وحفظ الناس لها.. لقد سألت الصحفية الشابة أي الأغنيتين تحبين أكثر فقالت بلادي.. ولو سألنا كل الجيل الجديد - أصحاب الثورة- لردوا نفس ردها.. لماذا نصادر دائما علي الجيل القادم.. في كل شيء.. في الأغاني.. وفي الرياضة.. للآن يعتبرون أن حسام البدري - الذي تجاوز الخمسين- شابا يجب اعطاؤه الفرصة ليعبر عن مواهبه.. أئمة الفقه الأربعة نحترمهم ونجلهم ولكن عندما يخرج نصر حامد أبوزيد برأي يخالفهم يكفرونه.. الماضي دائما أجمل وأروع وأنقي وأنصع.. وهذا مخالف للحقيقة بكل تأكيد.. فالذاكرة انتقائية، خداعة تختار ما يحلو لها وتسقط ما يؤلمها.. لذلك نعشق الماضي وننكر الحاضر ونصادر علي المستقبل. يخاف الناس من التيارات الدينية التي سوف يكون لها الأغلبية في مجلس الشعب القادم.. وبالتالي فإن معظم الأسئلة التي وجهت إليّ وإلي غيري بالطبع من الفنانين والكتاب- ما رؤيتك للفن والثقافة عندما يحكم الإسلاميون؟!.. وأقول للجميع لست خائفا ولا متوترا من القادمين من الخلف لأسباب عديدة.. اعتقد ان الإخوان المسلمين أكثر ذكاءً من ان يصطدموا بمخزون الوجدان الفني والثقافي والابداعي القابع في نفوس - ليس فقط المصريين ولكن العالم العربي بأسره.. وليس حزب الإخوان هو الأكبر ولا الكتلة المصرية.. ولا أي حزب سياسي.. ولكنه حزب الفن والثقافة المصرية.. أنه حزب أم كلثوم وحليم.. والسنباطي والابنودي وعمرو دياب ومحمد منير.. حزب نجيب الريحاني.. وزينات صدقي وصلاح أبوسيف ويوسف شاهين.. وخيري بشارة ومحمد خان.. شريف عرفة.. وعمرو سلامة.. شادية.. فاتن حمامة ونور الشريف وعادل إمام ومحمد هنيدي.. هند صبري ولو كتبت آلاف الصفحات لن أنهي اسماء الذين أثروا في الشعب العربي اكثر من أي زعيم هل يتصور أي شخص أو حزب أو زعيم انه اقوي تأثيرا من كل هؤلاء.. إذا كان هناك زعماء حقيقيون فهم أصحاب التنوير والتثوير الحقيقيين طه حسين.. نجيب محفوظ وغيرهم أنهم هناك محفورون في قلوب المصريين والعرب.. وعندما نحس بالخطر علي هؤلاء.. خطر التعصب والتطرف.. لن يحمي إبداعهم إلا الناس والشعب صاحب الثورة الحقيقية..