خيط رفيع جدا يفصل بين الحرية والفوضي.. وما يحدث في مصر الآن يشير بصورة واضحة إلي أن هذا الخيط آخذ في التآكل. خمسون ائتلافا وحزبا ناشئا للثورة كل ائتلاف أو حزب يضم قرابة العشرة أشخاص من الشباب المحترمين حولهم مئات من تشكيلة غريبة ومريبة، تلاميذ صغار، باعة جائلون.. شباب عاطل، مسجلون خطر.. وفي الوسط شخص في منتصف العمر من الرموز التي بدأت تطفو علي السطح بعد ثورة 52 يناير العظيمة وهم في غالبيتهم مجموعة من الشطار وجدت الفرصة متاحة للشهرة و»لهبش« ما يمكن »هبشه« والحصول علي شئ.. أي شئ بعد أن عاشت مهمشة ومهملة سنين طويلة.. الشباب برئ وممتلئ بالحماسة وفورة الشباب ولكن في نفس الوقت يسهل التأثير عليه خاصة من شخص خبيث يظهر غير ما يبطن وخاصة ايضا إذا كانت جيوبه ممتلئة بالمال الحلال أو الحرام- لا يهم- ان فلول الحزب الوطني وهم مجموعة من الفاسدين واللصوص والانتهازيين والمرتشين بذلوا ومازالوا يبذلون كل ما يمكنهم لاجهاض ثورة الشباب وهو شئ طبيعي فهم لصوص يحمون ما سرقوه أو يحاولون الحفاظ علي مسارات السرقة والنهب والسلب التي صنعوها علي أرض هذا الوطن المسكين.. ولكن المخيف فعلا هو هؤلاء المجموعات التي بدأت تظهر في ميدان التحرير.. فلول الوطني لم يعودوا يخيفونني فهم اشبه »بالجيفة« التي تلوث رائحتها أي مكان يوجدون فيه سواء في القرية أو المدينة يعرفهم كل الناس ويكرههم كل مواطن.. سقطوا في أعين الجميع ولن يستطيعوا مهما فعلوا ومهما انفقوا أن يستعيدوا ماضيا كئيبا ولي ولكن فلول الثورة التي بدأت تطفو اليوم علي السطح هي الخطر الحقيقي ان لديهم حناجر يحسدون عليها وهم يتصورون ان اللحظة أصبحت مناسبة للانقضاض بعد ان عاشوا طويلا في ظل الحرمان.. انهم يفهمون جيدا طبيعة الشباب وطيبته.. يكفي ان تجلس علي الرصيف وسط المجموعات البريئة وأن تطلب سندويتشات الفول والطعمية وتآكل معهم وتذرف الدمع الساخن علي مستقبل البلد وأحواله كل ذلك بأسلوب تمثيلي اكتسبوا خبرته من الاعتصامات والمظاهرات والوقفات حتي أصبحوا خبراء فيما يريده الشباب وما يؤثر فيهم.. لقد وصل الأمر ببعضهم أن قام أحد الروائيين وهو من رموز الميدان وهو روائي - نص نص- ان يقوم باعلان اسماء حكومة الانقاذ الوطني الموازية والمقترحة.. واللافت للنظر ان اسمه كان ضمن القائمة.. ولست اتصور كيف يمكن لروائي متوسط الامكانات أن يتصدي لقيادة بلد في حجم مصر.. لقد تحول التحرير الآن إلي سوق عكاظ مع الفارق فقد كان سوق عكاظ يعرض الفن الجيد أما التحرير الآن فقد أصبح مسرحا لنوع جديد من الفلول هم فلول ثورة الشباب وهم مجموعة من الانتهازيين والوصوليين لا يهمهم مستقبل هذا البلد ولا يهمهم أن تستقر الأحوال بالوطن ولا يهمهم ان ينتشر الأمن أو يعم الأمان.. لقد وجدوا بعد حشد الإخوان والاصوليين في يوم الجمعة المشئومة انهم سوف يضيعون فشنوها حربا من أجل الكرسي وهي حرب واضحة لكل ذي عينين.. لقد فعلوا كل ما هو مستطاع للحيلولة دون تهميشهم.. اعلنوا الحرب علي الاستفتاء.. وضاعت أصواتهم وسط هدير الأغلبية.. اثاروا قضية الانتخابات أولا أم الدستور أولا وملأوا الصحف بالنواح والنباح وضاعت جهودهم ومع اقتراب الانتخابات جن جنونهم وكادوا يفقدون عقولهم وأعلنوها حربا في التحرير.. أرادوا اشاعة الفوضي بكل سبيل.. فاشاعة الفوضي في تصورهم هي الوسيلة الوحيدة الباقية لتأجيل الانتخابات.. هاجموا الداخلية ولست أدري حتي الآن ما هو الهدف الذي يمكن ان يعلنوه لذلك فلما فشلت المحاولة بعد 14 ضحية بدأوا يهاجمون مجلس الوزراء.. انهم يشكلون الآن في الميدان حكومة وراء حكومة.. والأمر العجيب هو كيف يتصور أي واحد منهم وهم رموز - في رأيي - أصبحت محروقة.. وانتهت قبل ان تبدأ وماتت قبل ان تتذوق طعم الحياة كيف يتصور أي زعيم كرتوني أو أراجوز ثوري من الذين يعبثون بعواطف الشباب أن الشعب يمكن ان يقبل كلمة منهم أو كيف يمكنهم هم ان يحكموا شعبا بحجم الشعب المصري. ولله الأمر