تُجري غدا انتخابات الإعادة للمرحلة الأولي من الانتخابات البرلمانية، ولا شك أن الجولة الأولي قد شهدت إيجابيات كثيرة. كان أهم هذه الإيجابيات أنّ يومَي الانتخاب قد مرّا بسلام وهدوء لم يكن يتوقعه حتي أكثر المتفائلين في مصر، فالواقع كان يقودنا إلي توقعات أخري في ظل ما كنا نعايشه من انفلات أمني، وعجز رسمي عن التعامل مع هذا الانفلات، ولكن الشاهد أن القوات المسلحة والشرطة قد أحكموا قبضتهم بصورة باهرة تقودنا إلي تساؤل مُلِحّ: ما دام النظام في مصر راغبًا وقادرًا علي حفظ الأمن في أصعب الظروف كيومَي الانتخابات، فلِمَ لَمْ يُحكِم قبضته منذ شهور طويلة ويجنّب مصرنا فتنًا ساقت فتنًا، ما زلنا وسنظل ندفع ثمنها لفترة قادمة؟! والمشهد الأكثر روعة ومهابة هو تدفق ملايين المصريين في طوابير طويلة أمام اللجان الانتخابية في المحافظات التسع التي أجريت فيها الانتخابات، مسجلين نسبة حضور تخطت السبعين في المئة في بعض الدوائر. ونتمني أن تشهد عملية الاقتراع اليوم إقبالاً مماثلاً رغم صعوبة ذلك، لأن غياب القوائم الحزبية اليوم عن المشهد الانتخابي، وكذلك انحصار المنافسة في المقاعد الفردية علي أربعة مرشحين فقط، بعد أن كانوا في بعض الدوائر يزيدون علي مئة وثلاثين، تجمعهم استمارة واحدة. مما يمنح الناخب فرصة أكبر للتدقيق والاختيار لم تتح له في الجولة الاولي . ويقينًا سينزل اليوم للتصويت صفوة الناخبين الذين تقودهم مناصرة فكر أو مدافعة آخر، وبقدر ما سيكون الاقتراع أكثر هدوءًا ويكون أمام الناخب فرصة ليدقق في الاختيار بعيدًا عن صخب الجولة الأولي وازدحام استمارة الترشيح بالمرشحين، إلا أن هناك خطرًا منذرًا لا بد من مواجهته، يتمثل في الاستقطاب الحاد الإسلامي - الليبرالي وما يقترن به من فرز طائفي جد خطير. فمنذ بداية ظهور المؤشرات الأولي للنتيجة وهناك حالة من التجييش لدي جميع الأطراف، فالتيار الإسلامي بجناحيه الرئيسيين، حزب الحرية والعدالة وحزب النور، استحوذ علي ما يربو علي الستين في المئة من أصوات الناخبين في الجولة الأولي، ويريدون أن يرفعوا هذه النسبة التي شكلت مفاجأة قاسية لليبراليين، والتي لا تعكس القوة الحقيقية للتيار الإسلامي من جانب بقدر ما تكشف عن ضعف التيار الليبرالي وخواء خطابه . وللأسف لا يخلو الفريقان من ضعاف العقول الذين قادوا حربًا شعواء علي الطرف الآخر، استخدمت فيها كل الأدوات المؤدية إلي الفتنة وتناثرت اتهامات بالتكفير وأخري بالعقول الظلامية المتحجرة... ويقينًا ستشهد لجان الاقتراع يومَها صراعًا يُخشي أن يتطور إلي ما لا تُحمَد عواقبه، ومع انخفاض العدد المتوقع للناخبين اليوم عن الأسبوع الماضي سيصبح القتال علي إحراز الصوت الانتخابي شديدًا، وهو يلقي مزيدًا من الجهد علي رجال القوات المسلحة والشرطة. ويظهر هنا دور العقلاء من الفريقين، وهم كثر بحمد الله، أن يكونوا علي أُهْبَة الاستعداد لوأد أي فتنة تطلّ برأسها. ورسالتي للجميع ونحن نتوجه إلي صناديق الاقتراع أننا قد نتفق أو نختلف مع هذا التيار أو ذلك التوجه، لكن علي كل شخص يزعم أنه يؤمن بالديمقراطية أن يحترم حق الشعب في الاختيار. فلا قيمة للديمقراطية إذا لم تقترن باحترام رأي الآخرين، والأهم احترام اختيار الغالبية. نحن الآن نبني قواعد لمصر المستقبل بعد سنوات من الأغلال والتقييد، وإذا لم يقبل كل منا الآخر، وإذا لم نحترم حق الشعب، فسوف نجد من يندب كالثكالي أيام المخلوع وعزّه وجماله، لأنه سيثبت وقتها أنه كان علي صواب حينما قرر أن ينوب عن كل المصريين في أفكارهم وآرائهم، مبعدًا أو معتقلاً كل من يرفض هذه الوصاية المقيتة. وبقيت تحية إجلال وإكبار واجبة لرجال القضاء المصري الشوامخ الذين ضربوا المثل الأعلي في المثابرة والعطاء لمدة ثلاثة أيام متواصلة أو تزيد، مؤدين واجبهم في طول مصر وعرضها بالإشراف علي الانتخابات بكل نزاهة وصدق، وأثبتوا بحق جدارتهم بالثقة التي أولاهم إياها الشعب المصري. وهو ما يُنتظر منهم اليوم، وهم بعون الله فاعلون. صباح بطعم الحرية علي مصرنا الحبيبة التي تتغير إلي الأفضل بجميع المصريين.