لم تكن مفاجأة أن يحصد التيار الإسلامي معظم مقاعد المرحلة الأولي من الانتخابات البرلمانية .. بل من المتوقع مواصلة صعوده في المرحلتين الثانية والثالثة.. فالإخوان المسلمون هم القوة السياسية الأكثر نظاما وانضباطا وسط أحزاب سياسية مهترئة وضعيفة.. وهم يعملون ليل نهار علي أرض الواقع وليس عبر مواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك وتويتر.. وهم لهم مصادرهم للتمويل اللازم للانتخابات وغيرها.. وهم الذين عانوا من الإقصاء والتعذيب والتهميش علي مدي عقود طويلة.. فمثلت معركتهم للفوز بالأغلبية في البرلمان مسألة حياة أو موت وليست ترفا .. إذن ليس من المستغرب تقدمهم في الانتخابات.. وإنما العكس هو الصحيح .. والتجربة سبقتنا في كل من تونس والمغرب .. وحين سئل أحد القياديين في حزب العدالة والتنمية بالمغرب عن رغبة الإسلاميين في الوصول إلي الحكم أجاب: هذا شر لا بد منه.. وحين سئل راشد الغنوشي عن استعداد حزب النهضة لممارسة الحكم قال: لست خائفا من الحكم لكن الخبرة تنقصنا لأنه لا توجد تجارب إسلامية عربية معاصرة ناجحة في الحكم.. وربما هذا هو مربط الفرس .. فالتخوفات التي يشعر بها الناس في مصر إذا ما حكم الإسلاميون البلاد تأتي أولا من أنهم قليلو الخبرة السياسية .. ثم هناك عدة أسئلة تطرح نفسها عن موقفهم من الحريات العامة ؟.. وهل سيحكمون من منظور سياسي أم ديني ؟.. وهل مثلا سيفرضون الحجاب أو النقاب علي النساء ؟ .. وهل سيمنعون تناول الخمر في الفنادق السياحية ؟.. ومن ثم.. يحرمون أفلام السينما والمسلسلات إلا ماهو ديني منها ؟.. ويحرمون أيضا الاختلاط في الجلوس في المقاهي والمطاعم ؟.. وهل سيفرضون الحجر علي كل من يخالفهم ؟ .. وغيرها من التساؤلات التي تثير الخوف والقلق من صعود التيار الإسلامي وتصوره أنه البعبع الذي سيحكم بيد من حديد.. غير أنه في رأيي .. أن الإسلاميين لم يختبروا بعد .. ويجب علينا منحهم الفرصة كاملة .. فضلا عن مسألة أخري تتعلق بغياب الفهم الحقيقي للإسلام لدي النخب غير الإسلامية في المجتمع.. فقد انطبع في أذهان هؤلاء أن ما يسعي إليه الإسلاميون هو تطبيق الشريعة بمعني الفصل بين الحلال والحرام .. وإقامة الحدود ..وفرض العقاب علي كل من لايلتزم بأحكام الإسلام .. وهذا فهم خاطئ يتناقض مع مقاصد الإسلام الذي يتبني إصلاح المجتمع بالدعوة والتربية والتدرج.. ولا أعتقد أن الإسلاميين اليوم مشغولون بالإجابة عن أسئلة مثل ارتداء الحجاب ..أو منع الخمور ..أو ارتداء المايوه.. أو غيرها مما يتعلق بالحريات الفردية .. وإنما أعتقد أنهم مشغولون بأولويات الناس وفي مقدمتها الديمقراطية.. ومواجهة الفساد.. وتنمية المجتمعات ..والحد من الفقر والبطالة.. وتطبيق العدالة الاجتماعية .. من حقنا أن نسألهم حول هذه القضايا لنطمئن إلي أنهم جاءوا ليمارسوا السياسة لا الخطابة والوعظ.. وفي انتظار إجاباتهم يمكن أن نحكم علي تجربتهم ونقيم أداءهم!