الدكتور كمال الجنزوري قبل ما لا يقبله غيره في هذه الفترة العصيبة والمرتبكة والقاسية، أجهزة الدولة ليست في كامل جاهزيتها، وهذا أمر يجعل أي مرشح لرئاسة الحكومة يتردد في حمل هذا العبء الثقيل، لان المطالب كثيرة والاتجاهات متصادمة، ولكن الدكتور الجنزوري شخصية توافقية لاقت ارتياحا وقبول من الإسلام السياسي والفرق الليبرالية. البحث واستطلاع الرأي حول كل ما طرح من ترشيحات قد أيد ترشيح د. الجنزوري بالرغم من بعض الاعتراضات. فالرجل أقرب إلي روح الثورة- ويقف منها موقف المؤيد والمدافع- شخصية لم ترضخ للنظام السابق- رغم مانال الجنزوري منها- ولم يتلق التعليمات منه، ولا سبيل امامنا إلا تغليب المصلحة الوطنية، لان عدم القبول بالدكتور الجنزوري يعني مرحلة اخري من الصدام، وهو أمر ليس في صالح الحركة الوطنية المصرية، لان الحفاظ علي بقاء المجلس العسكري في هذا الظرف هو أفضل من محاولة ازاحته، لان الأزمة سوف يتبعها بالتأكيد فراغ في السلطة، والحالة المصرية، حالة شديدة التعقيد ولا يمكن الحصول أو تحقيق أفضل الأهداف في الفترة الانتقالية، لان المسافة شاسعة ومتناقضة بين القوي الليبرالية وبين الأحزاب ذات المرجعية الدينية، وهي معركة نود لها ان تنجز في مناخ ديمقراطي لا ان تتم في مناخ من العنف الذي يدمر ويضلل ويفتح الباب علي مصراعيه أمام قوي اجنبية لن تتردد في ان تمد اصابعها في الشأن المصري. يجب ان نحرص جميعا علي ألا تطول الفترة الانتقالية لان إعادة بناء أجهزة الدولة وإعادة صياغة النظام السياسي المصري لن يتم إلا في وجود سلطة سياسية منتخبة من الشعب. وفي الفترة الماضية تم وضع الكثير من العقبات والعراقيل والتعقيدات التي غلبت فيها الانتهازية السياسية والمصالح الحزبية والشخصية الضيقة علي المصلحة الوطنية العليا. ذلك ما أوقعنا في تعقيد سياسي فلم نستطع ان نحقق ما حققته تونس من أن تجعل الدستور أولا يتم وضعه عن طريق لجنة تأسيسية منتخبة انتخابا حرا من الشعب. وبالدستور يتم تحديد ملامح النظام السياسي ثم يتم انتخاب رئيس للجمهورية ليقوم بدعوة الشعب لانتخاب مجلس تشريعي، سواء كان هذا النظام برلمانيا أو رئاسيا، لان رئيس الجمهورية بصرف النظر عن حجم صلاحياته هو رأس النظام السياسي، لكن الانتهازية السياسية قادتنا إلي ان نجد شأننا الوطني بصورة مقلوبة فتكون انتخابات تشريعية تأتي بدستور صادر عن المجلس المنتخب ثم بعد ذلك يأتي انتخاب رئيس الجمهورية وقد تم تحصين هذه الخطة الجهنمية عن طريق طرحها علي استفتاء شعبي في إطار حملة صاخبة أوهمت الناس ان الموافقة علي هذه الخطة المقلوبة يعني الموافقة علي الاستقرار، وهو أمر يسعي إليه كل مواطن مصري. وبعد ان حصل أصحاب هذه الخطة علي مرادهم، إذا بالاستقرار المزعوم يتحول إلي انقلاب أمني لا تخطئه العين، وإذا بقوي سياسية تملك كثافة عددية ولا تملك رؤية سياسية ولا برامج تفصيلية تقتحم الساحة بقضها وقضيضها لكي تلهينا بمهاترات فارغة تدور حول حجاب المرأة أو حكم المايوه البكيني أو مسألة شواطئ العراة، وذلك هزل، إذ تنجح قوي اجتماعية انجزت الثورة وكانت تنتظر حلولا عملية لمشاكلها وقد تم كل هذا الهزل تحت شعار من الهجوم علي القوي الليبرالية تستخدم فيه سلاح التكفير وهو سلاح فاسد ينتمي إلي العصور الوسطي مما وضع قوي الثورة المصرية في مأزق حقيقي وهي تري انها لم تجن من ثورتها الا قبض الريح!. ثم أن فلول النظام السابق قد استغلت هذا المناخ المترب لكي تعود بقوة إلي الساحة السياسية مستخدمة ما سرقته من أموال الشعب مشكلة احزابا وصل عددها إلي ثمانية أحزاب!! هكذا تحولت الثورة المصرية إلي »ضجيج بلا طحن« واستخدمت كلمة الديمقراطية استخداما بشعا يراد به باطلا، ودخل الوطن الثائر بشبابه الغاضب في نفق مظلم، إلي ان كانت الحلقة الثانية من حلقات الثورة المصرية التي كانت ولا تزال تفتقر إلي القيادة الموحدة، وتفتقر إلي برنامج محدد إلا ان السياق العام لهذه الغضبة الثورية يحمل إدانة لكل القوي السياسية الانتهازية هنا وهناك والتي توهمت ان الشعب المصري قام بثورة كي ينقل السلطة من مبارك وأسرته إلي القوي الغاشمة التي تمتلك مالا، وتمتلك طموحا لكنها تعجز عن الرؤية وتفتقد الرؤية والخبرة. ان الأزمات في المجتمع المصري هي أزمات حقيقية تبحث عن حلول حقيقية، وان من تحدثه نفسه بانه قادر علي ان يمارس الخداع أو الفهلوة للانقضاض علي السلطة ثم التنكر عن العجز عن تقديم حلول فانه يحكم علي نفسه بالموت ذليلا مهانا. وفي اختيار د.الجنزوري ما يشكل نقلة لا أعتقد انها نقلة مثالية في هذا الظرف المعقد، ولكن محاولة تقويض هذا الاختيار سوف يكون ضررها أكثر من نفعها وذلك للاتي. ان الفترة الانتقالية لا تزيد علي عدة شهور وبالتالي فان اهدار هذا الوقت هو اهدار لوقت وطني هام. ان الدكتور الجنزوري ينتمي إلي ما يسمي بالرجل التكنوقراطي وهو بهذه الصفة سوف يحصل علي موافقة كل القوي المتصارعة لانه لا يشكل خطورة علي أي منها. ان فترة تسيير الأعمال عن طريق جهاز إداري يقوده رجل يمتلك خبرة التعامل مع هذا الجهاز باعتباره كان رئيسا سابقا لوزراء هذا الجهاز ووزيرا للتخطيط ومحافظا. ان الدكتور الجنزوري رغم أي ملاحظات قد تظهر هنا أو هناك لا يمكن حسابه ضمن فلول النظام السابق لانه اخرج من نظام مبارك بطريقة أقرب إلي الطرد، مما يعني انه كانت بينه وبين ذلك النظام خلافات. د.عصام شرف جاء من التحرير ولم يوفق وتراكمت عقبات ومشاكل أخري بسبب تردده وتخبطه فيما كان مفروضا عليه أن يتخذه من قرارات.. هل من فرصة للمجلس العسكري لكي يكلف شخصية مثل د.الجنزوي بتشكيل حكومة انقاذ وطني، انني لا أشك في نية د. الجنزوري فيما أعلنه من ترحيبه بترشيح القوي والتيارات السياسية والائتلافات، من يرون أنه يملك القدرة والخبرة علي العمل والعطاء ضمن حكومة الانقاذ.. أم أن المعارضين يهدفون رئاسة الحكومة وفقا لرؤيتهم مرة أخري؟! أطالب الجنزوري بسعة الصدر وعدم الضيق من النقد والمعارضة وأن تكون أولي مهام حكومته هي إعادة الأمن المفقود واستكمال الانتخابات البرلمانية واتخاذ اجراءات عاجلة لاحياء الاقتصاد الوطني ووضع حد أدني وأقصي للأجور وتشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وتوفير العلاج لمصابي الثورة وتعويض الشهداء ووقف المحاكمات العسكرية للمدنيين وتسريع المحاكمات للفاسدين وقتلة ومصيبي الثورة والمتهمين بنهب أموال الشعب. وعلي ذلك فإنني أناشد القوي الوطنية التي توقفت كثيرا أمام هذا الاختيار ان تدعو المواطنين إلي التعاون مع حكومة الدكتور الجنزوري حتي نستطيع ان نعبر هذه الفترة الحرجة بسلام لانه لا يخفي علي احد ان التحركات الثورية الطاهرة التي تمت خلال الاسبوع المنصرم قد خالطها بعض صور البلطجة، وقد انضم إلي ثوار التحرير بعض من عملاء الفلول وذلك وضع خطر نريد له ان ينتهي بسلام..