في الوقت الذي قدم فيه برلسكوني استقالته أمس من رئاسة الحكومة الإيطالية تحت ضغط المعارضة تذكرت علي الفور الكاتب المسرحي الإيطالي الشهير داريفو الذي قدم في عام 1998 مسرحية تهكم فيها علي برلسكوني ووصفه بالرجل الشاذ مزدوج الشخصية الذي فقد ذاكرته ولم يعد يعرف شيئا عن ماضيه وعندما واجهوه بحقيقته انخرط في بكاء عميق ! داريفو حصل علي جائزة نوبل عام 1997 وهو واحد من أشهر أربعة كتاب مسرح إيطاليين عرفهم العالم منهم لويجي براندللو صاحب مسرحية " 6 شخصيات تبحث عن مؤلف" وروفائيل فيفاني وإدواردو دي فيللو .. اشتهر داريفو بنضاله السياسي وهو كاتب يساري مناصر للعدالة يهتم بالضمير الإنساني ومن أشهر أعماله التي قدمها المسرح المصري منذ نحو عامين مسرحية " موت فوضوي صدفة" التي تناول فيها قصة حقيقية لمهاجر إيطالي القي بنفسه من النافذة عام 1921 أثناء التحقيق معه في مقر المباحث الفيدرالية بنيويورك بعد ان تعرض للتعذيب خلال استجوابه! وقد احتفي المسرح المصري قبل أسابيع بالمؤلف الإيطالي داريفو فقدم له مسرح الشباب مسرحية " السفينة والوحشين" المأخوذة عن مسرحيته الشهيرة"إيزابيل وثلاثة مراكب ومشعوذ" بإعداد مصري خالص للمخرج إسلام إمام يتهكم فيها أيضا علي ما يحدث في مصر الآن مستخدما رمز السفينة ل "مصر" أما الوحشين فقد ترك للمتفرج حرية التحري عنهم وتحديدهم فهم جميعا لا يريدون للسفينة ان تستمر في سيرها ..هم يريدون أن تغرق في عرض البحر! "السفينة والوحشين" هي محاكمة للنظام الفاسد الذي عشش فينا 30 عاما في بلد أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة! تتناول المسرحية حكاية المغامر الأسباني كريستوفر كولومبس مكتشف الأمريكتين وسعيه لدي الملكة إيزابيلا للحصول علي دعم لرحلته إلي الهند بالدوران حول المحيط الأطلنطي.. ولكي يضمن تمويل رحلته كان عليه الانتظار عدة سنوات حتي يتفرغ الملك فرناندو من فتوحاته في بلاد الأندلس والفساد المستشري في مؤسسات الدولة ومحاولات مجلس الحكماء والجنرالات لفرض سيطرتهم علي البلاد في غياب الملك. »الوحشين« »جمع بكسر الواو« وهم في هذا العرض هم أصحاب المصالح كما في النص.. المثقفون الذين يحاول كولومبس إقناعهم بفائدة الرحلة لاسبانيا ولكنهم يرفضون كونهم ليسوا أصحاب رأي وفكر.. أما مجلس الحكماء الأقرب لمجلس اللوردات أو المجالس النيابية فهم أصحاب ضمائر مزيفة لايريدون سوي رشوة للموافقة علي الرحلة تدفعها الملكة لهم مقابل إقناع الملك بأهمية الرحلة لأسبانيا وإنها سوف تعود بالخير عليه في حروبه ضد العرب .. أما خفافيش الظلام فقد أوقعوا بين الملك وكولومبس رغم اكتشافه القارة الجديدة فيأمر بإعدامه! مسرحية " السفينة الوحشين" هي رسالة المسرح عندما يشارك في طرح قضايا الوطن وينبهنا لما يجب علينا ان نفعله حتي لا تغرق السفينة. تحية للمخرج وفريق العمل رامي الطمباري ونفرتاري وحمزة العيلي وسماح سليم وإسماعيل جمال وأمجد الحجار ونورا عصمت ومصطفي سعيد ومحمود حسين ومحمد سلامة وباقي الفريق ومصمم الديكور عمرو حسن ومروي عودة مصممة الملابس وللمخرج شادي سرور مدير مسرح الشباب الذي تحمس للعرض وسانده فهو للحق رجل مسرح من الطراز المحترم.