لأول مرة في حياتي أحضر بصحبة أسرتي، حفلا خاصا لعرض فيلم سينمائي، وذلك استجابة لدعوة خاصة من الصديق الاستاذ خالد يوسف- المخرج العالمي، الذي جمعتني به مقدمات الثورة وأيامها الثمانية عشر »52 يناير -11فبراير« ومازالت مستمرة بدفء وحرارة الثورة. وقد التقيت في هذه المناسبة بأصدقاء كثيرين من السياسيين والفنانين، في مقدمتهم صديق العمر ورفيق النضال الاستاذ حمدين صباحي، وكذلك النائب المحترم الناصري محمد البدرشيني وكذلك صديقي الفنان مجدي كامل- الذي جسد شخصية الزعيم الخالد جمال عبدالناصر في المسلسل الشهير.. ومن الشباب الثائر ناصر عبدالحميد الذي تشاركنا- مع كوكبة من الشباب- قبل الثورة واثنائها وبعدها وللان. ولا شك أن المخرج العالمي خالد يوسف- مصري الطينة والمولد والانتماء- ساهم، كما قلت كثيرا في أكثر من لقاء، في التمهيد للثورة عندما كشف في مجموعة افلامه الشهيرة »حين ميسرة- دكان شحاته- هي فوضي، كلمني شكرا وغيرها« عن حجم الفساد والاستبداد والتمزق الاجتماعي. وهو من نتاج سيطرة المال وسيادة القهر والنهب والسرقة والتوريث.. وكانت هذه الافلام بمثابة كشف المستور والتمهيد للثورة. وذلك من خلال كشف حجم المعاناة والاوضاع غير الانسانية، وحجم الغضب الذي يعتمل في النفوس.. لقد كانت صرخة عالية الصوت عمت أرجاء الوطن ولم تكن في داء معزول، بل في وسط مجتمع مزدحم واع وناضج التقط الرسالة وسعي لتجسيدها في واقع حي جديد ينشد التغيير الجذري بلا حدود، فالواقع الذي جسدته سينما خالد يوسف، كان دافعا لتجميع »الوعي الشعبي« بحجم المآسي التي يعيشها الشعب المصري في كل انحاء مصر وخاصة المناطق الشعبية وتجمعات العشوائيات والريف المصري التي كانت جميعها تئن وتتألم من كثرة الضربات الموجهة من قلوب غير رحيمة.. ان لم تكن موجودة اصلا، معدومة المشاعر والاحاسيس. فاندفع الشعب المصري بكل طوائفه للثورة علي الحاكم الظالم والمستبد عديم الضمير ومنعدم الاحساس بالشعب وظل يقهر الشعب المصري العظيم ثلاثين عاما، ومعه بطانة من أسوأ من أنجبتهم مصر.. بنفس صفات من اختارهم، وهي صفات أقل ما يقال عنها، أنها كانت »سلة قذارة جميع انواع الشخصيات في العالم«.. لقد صرخ خالد يوسف في افلامه، بحجم الضربات القاتلة التي وجهها معدومو الضمير والاحساس من رأس النظام ورجاله، الي الطبقة الوسطي، فأجبرها علي الهبوط للقاع، لتتسع دائرة الفقراء حتي تجاوزت 07٪ من حجم الشعب المصري ولم يكتف بذلك بل مكث يوجه الضربات بلا رحمة لهؤلاء الفقراء حتي تحولوا الي شبه جثث هامدة، تصور النظام ان هؤلاء لن تقوم لهم قائمة.. وقد استشعرت في ميدان التحرير ان هذه الجموع الغاضبة لو كانت قد امسكت بحسني مبارك أو أحد افراد اسرته أو أحد رموزه، لكانت قد مزقته قطعة قطعة وبأفظع مما حدث مع القذافي في ليبيا!! والقت بجثتهم للكلاب الجائعة!. شاهدت فيلم »كف قمر« لاجده يمثل الوجه النظيف لسينما ثورة 52 يناير، حيث يقدم خالد يوسف عملا فنيا راقيا من خلال مجموعة من الممثلين في مقدتهم الفنان خالد صالح وهو قاسم مشترك في اغلب افلام المخرج خالد يوسف، وكان كعادته متألقا تفجرت كل ابدعاته في هذا الفيلم وكان يجسد جميع المواقف المتعارضة في لحظة واحدة، وببراعة تؤكد انه فنان قدير، ومعه الفنانة وفاء عامر التي اعتبر ان هذا الفيلم هو بداية فنية جديدة لها، جسدت شخصية »قمر« ببراعة وتلقائية، ويبدو أن نجاحها مرتبط بما استطاع المخرج ان يخرجه منها.. ولم أكن اتصور ان وفاء عامر الفنانة، تستطيع ان تجسد هذه الشخصية القوية وتخرجها علي هذا النحو.. وكذلك كل نجوم الفيلم، فقد كانوا علي قدم المساواة في تجسيد أدوارهم ببراعة اضافت للفيلم صورة رائعة يستحقون التقدير عليها. وقد رأيت في هذا الفيلم الخالي من جرعات الجنس التجارية، عملا نظيفا ووطنيا وراقيا، فهو يقدم شخصية »قمر« حسب تقديري، علي أنها تجسد شخصية مصر فالسيدة قمر- هي زوجة رجل مناضل مات شهيدا علي ايدي اللصوص ومهربي الاثار، وهي انعكاس لجزء من الحركة الوطنية واغتيال مصر دائما بأيدي الخونة من اللصوص والفاسدين، وتحدت »قمر« الظروف، وقهرتها كعادة مصر وتاريخها، واضطرت ان تدفع بأبنائها الخمسة وهم ذكور كرمز للقوة دون انحياز، وظلت هي رمزا للقوة الحقيقية، للعمل في كل اتجاه وان يعودوا لها سالمين لاعادة بناء البيت الرمز لمصر كلها.. وفي الوقت الذي كان يعمل الاشقاء برعاية اخيهم الاكبر »خالد صالح« في كل اتجاه وفي كل نشاط كسبا للقمة العيش، في الزراعة، في التجارة، في السياحة، في الصناعة، وكلها تجسيد لمجالات عمل المصريين بحلوها ومرها، داخل مصر وخارجها.. وحاول الشقيق الاكبر بعد ان ثأر لمقتل والده المناضل مثلما حدث في حرب اكتوبر 3791 ان يسعي لجمع شمل الاسرة ويجمع الاشقاء من كل مكان في مصر لاعادة بناء البيت وبحجة رؤية امهم التي كانت علي وشك الاحتضار ومشارف الموت. وبذل الجهد في سبيل ذلك ونجح، حيث اسرع لرؤية امه قبل موتها وبعد قطع كفها بأصابعه الخمسة، ليلحق به جميع اخواته يدا واحدة ليشيعوا امهم، ويعيدوا بناء »البيت الكبير« وهو الوطن، في لحظة تفجر الامل في الثورة والتغيير وهو ما حدث فعلا. انها السينما النظيفة التي شعرت معها حقيقة ان السينما المصرية في الطريق للتغير والبداية سينما خالد يوسف ومجموعة من فناني الثورة.. وادعوا الله ان تتطهر السينما في مصر من اتباع ودراويش حسني مبارك ونظامه ويجلسون في بيوتهم في هدوء، بدلا من »اغتيالهم« علي يد الجماهير المصرية التي سئمت كراهيتهم للشعب المصري، وملت نفاقهم لحسني مبارك وعصابته.. ان »شارع الهرم« سيختفي تماما من السينما الجديدة بعد الثورة فلترحل السينما القديمة، ومرحبا بالسينما النظيفة، وتحية لخالد يوسف ولازال الحوار مستمرا.