كانت ليلة تاريخية بالنسبة لي.. فقد شعرت بالبكاء أمام القصور التاريخية التي هي جزء من تراث المدينة الحضارية وقد اصبحت بلا ابواب وينام الصعاليك في مداخلها وقد دمرت تدميرا.. شاهدت الكاتدرائية بلا نواقيس لان القراصنة سرقوها ليصنعوا منها مدافع.. والباقي منها الذي نجا من السرقة حرقه المتطرفون ومتعصبو الدين بعد ان حكموا علي دقاتها انها اصوات كريهة محرمة لم تكن علي عهد السيد المسيح لذلك فهي صوت الشيطان.. شاهدت الاشجار الذابلة والتماثيل المحطمة والتي لم تكن تبدو منحوتة من رخام بل موتي من لحم ودم يبكون ما يفعله الحاضر بالماضي. هذه الفقرة هي جزء من كتاب جابريل جارسيا ماركيز الكولومبي الحائز علي جائزة نوبل في الآداب والكتاب اسمه »ان تعيش لتحكي«.. هو سيرة ذاتية والفقرة نقلتها بتصرف ويحكي فيها ماركيز عن زيارته لمدينة كارثاخينا الكولومبية ذات الحضارة والتي كان يزورها للمرة الاولي في مطلع شبابه يشتعل خياله بما قرأه عنها لم يصدم عندما يراها انقاضا.. كانت كولومبيا في ذلك الوقت تمزقها الحرب الاهلية والخلافات الطائفية ساد الجهل والعصبية والتناحر حتي تحولت المدن إلي كهوف تملأها الاشباح.. أليس هذا ما نخشاه جميعا في الفترة القادمة.. ألم نكن جميعا متفائلين ثم تحول التفاؤل إلي تساؤل ثم إلي خوف من المجهول ثم تشاؤم يملأ عقولنا وقلوبنا وكأننا جميعا نري الكارثة مقبلة ونتوقعها ولا نملك حيالها شيئا.. تحولنا إلي زرقاء اليمامة المرأة العربية التي كانت نافذة البصر تر أبعد مما يراه الاخرون وحذرت من حرب قادمة ولم يستمع إليها أحد.. فكانت حرب البسوس بين قبيلتي بكر وتغلب والتي استمرت اربعين عاما حتي اتت علي الاخضر واليابس.. زرقاء اليمامة كانت نافذة البصيرة اكثر من البصر والان نحن جميعا نري كل شيء ونسكت عن كل شيء منا من تأخذه مشاغل الحياة. ومنا من ير مصلحته الذاتية وهو -لجهله- لا يعلم انها جزء من كل سوف تضيع عندما يضيع الوطن لا استثني احدا.. الجميع من نفس المركب. واذا شئتم ان اسمي الاشياء باسمائها فسوف افعل الآن.. بدءاً بالمجلس العسكري واعضائه الذين لا يشك احد وانا أولهم في اخلاصهم ووطنيتهم وبأن الجيش هو شريك في نجاح الثورة وحاميها وسوف يذكر التاريخ ذلك.. ولكن وكما كتبت قبل ان هناك ضغوطا تمارس عليه داخلية وخارجية تجعل اداءه دائما اقل من طموحات الناس بل ان معظم القرارات المصيرية والايجابيات التي تحققت علي يديه وبالمناسبة هي كثيرة رغم قصر المدة.. كلها تحققت تحت ضغط المليونيات المتعددة والمتوالية.. من حق الشعب ان يعرف ولو حتي بالاشارة ان هناك ضغوطا وحدودا مفتوحة ومؤامرات تحاك داخلية وخارجية.. يقولون ان هناك مؤامرات ولكن من كثرة استخدام الكلمة دون ايضاح اصبحت كأنها الشماعة التي تعلق عليها كل الاشياء.. ناهينا عن تضارب الاقوال والافعال واقربها الغاء المحاكمات العسكرية للمدنيين رغم ان الواقع غير ذلك فإذا انتقلنا للثوار الثائرين فقد تحولوا جميعا لابطال ومناضلين يتعاركون ويرفضون كل شيء وخلاص. كأنهم دون كيشوت الفارس الذي يحارب طواحين الهواء ظنا منه انها المدانة فلا خطة ولا رأس ولا اتفاق علي شيء.. ائتلافات ثورية تتناحر ولا تعرف لها عددا ولا توجه.. هذا عن شباب الثورة.. اما شيوخها فقد جذبتهم الغنائم قبل ان تنتهي الحرب.. منهم من كان ضد الثورة فلما مالت الكفة لصالحها تثوروا »من فعل الثورة«.. وتقدموا الصفوف بحكم الخبرة والانتهازية يستوي في ذلك الفلول والاخوان والسلفيون. واليسار والوفد ورجال الاعلام القديم الذين بشروا بالتوريث وقادوا حملاته ثم ها هم الان يلعنون الزمن الماضي بكل ثورية كلامية اعلامية ويقبضون الملايين مقابلا لما يفعلونه.. يشعلون الحرائق ويقبضون الاموال من اعلانها.. نفس الوجوه والضيوف والاقوال وادعاء البطولة .. الكل ينافق ويراهن حتي من يتخذون الدين وسيلة للتأثير.. يضعون وردة مكان وجه امرأة تترشح علي قوائمهم.. يغطون التماثيل في الاسكندرية بدعوي انها حرام واسألهم لماذا لم يفعل عمرو بن العاص ذلك عندما فتح مصر؟! انه تصور قاصر للمرأة المسلمة.. للاسلام.. واري ان الازهر ورجاله يخشون مواجهتهم ويشترون رضاهم ورضا العامة والمسلم الحق من يقول الحق ويشتريه بروحه اما الباقي من المعادلة فهو صاحب الوطن الذين يتكلمون باسمه.. الشعب المصري الذي لا يمثله كل هؤلاء فهم ادعوا انهم اكثر من 57 مليون مصري.. اعتب عليهم جميعا واطلب منهم ان يثوروا علي ما يرفضونه.. اذا كان نفاقا أو تحريضا أو تخاذلا أو محاولات مستمرة لخطف الثورة أو اسلمتها أو جعلها يسارا أو يمينا.. هلالا أو صليبا.. قوموا ايها المصريون الصامتون بدوركم واحموا ثورتكم التي مات من اجلها ابناؤكم.. الانتخابات علي الابواب واني لادعو كل المصريين ان ينزلوا ويختاروا من يمثلهم حقيقة لا من يوزع علي فقرائهم اللحوم فمن فعل ذلك هو منافق يستغل حاجة الناس ليشتري كرامتهم وارادتهم.. انه الاختبار الاول والاهم والصعب اذا لم ننجح فيه فالكارثة قادمة - لا قدر الله - كل ما بقي من حرب البسوس سيرة الزير سالم تغني علي الربابة ادعو معي ألا يأتي زمن تصبح مصر سيرة عن الوطن الذي كان.. اللهم آمين.