رغم فشل محاولة الانقلاب التي خاضها خوان جوايدو، بتخطيط أمريكي، إلا ان حدة الأزمة السياسية في كاراكاس مازالت تتفاقم، وسط تصعيد أميركي وصل إلي حد التلويح مجددا بالتدخل العسكري، واللجوء إلي خطة بديلة تتمثل في الإضراب العام. قبل أيام، وصل تصعيد زعيم المعارضة الفنزويلية خوان جوايدو إلي الذروة، بإعلانه الانقلاب علي الرئيس نيكولاس مادورو من أمام قاعدة عسكرية جوية في كاراكاس، معتمدا في محاولته علي مجموعة من الجنود، وتبين لاحقا، أن نحو 5 آليات تحمل بضعة عناصر أربكوا أمن القاعدة العسكرية، وتم تحرير المعارِض ليوبولدو لوبيز، الذي لم يصمد لأكثر من 24 ساعة وهرب إلي تشيلي، ومن لم يتمكن من الهروب من المقربين منه خارج البلاد، دخل سفارات أجنبية طالباً اللجوء السياسي. وفي ظل تصاعد التوتر بين البلدين علي خلفية الأحداث الأخيرة هذه وسقوط العديد من القتلي أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن التدخل العسكري في فنزويلا ضد نظام مادورو »ممكن» و»مطروح علي الطاولة». جاءت تصريحات بومبيو في وقت دعا فيه جوايدو إلي إضراب عام ومواصلة التظاهرات في فنزويلا علي أمل طرد الرئيس مادورو، الذي وعد بمعاقبة »الخونة» المسئولين عن »التمرد العسكري الفاشل» الذي وقع مؤخرا. ورغم المساندة التي يلقاها ترامب في موقفه في مساندة جوايدو في فنزويلا والمطالبة بانتقال سلمي سريع للسلطة، فإن عددا من أعضاء الكونجرس عبروا عن قلقهم من أي تحركات عسكرية يمكن أن تقوم بها الولاياتالمتحدة. وصرح اليوت انجل الرئيس الديمقراطي للجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب بأن الكونجرس لن يدعم التدخل العسكري الأميركي في فنزويلا. وبموجب الدستور الأمريكي يتعين علي الكونجرس الموافقة علي أي عمل عسكري أمريكي في الخارج. وفي تصريحات للصحفيين قال اليوت إبرامز المبعوث الأمريكي لشئون فنزويلا إن واشنطن ستواصل الضغط علي مادورو ودائرته الداخلية من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل. ويقول المحللون إن الرئيس ترامب يعتمد بشكل أكبر علي العقوبات الاقتصادية لتحقيق أهداف سياسته الخارجية، ورغم تأكيد مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو مرارا علي أن استخدام القوة العسكرية لا يزال خيارا قابلا للتحقيق فإن الإدارة الأمريكية تبحث عن خيارات دبلوماسية وعقوبات اقتصادية لتحقيق هدفها. وقد فرضت إدارة ترامب عقوبات اقتصادية بالفعل علي نظام مادورو في فنزويلا وشملت عقوبات علي النفط الفنزويلي إلي جانب مسارات دبلوماسية أدت إلي تأييد 50 دولة الاعتراف بشرعية خوان جوايدو كرئيس مؤقت للبلاد. ويقول ريتشارد فايتز المحلل السياسي بمعهد هدسون بواشنطن إنه إذا لم تقم الولاياتالمتحدة بالتدخل العسكري فإن الاشتباكات بين المعارضة والحكومة ستستمر مع اندلاع حرب أهلية طويلة الأمد، خاصة أن هناك القليل من الإجراءات التي يمكن لإدارة ترامب اتخاذها لفرض التغيير الديمقراطي في فنزويلا مع استمرار الدعم الروسي والكوبي لنظام مادورو من الخارج واستمرار دعم المؤسسة العسكرية الفنزويلية من الداخل. التهديد الأمريكي يعيد إلي الأذهان سيناريو الأزمة السورية، مما يثير التساؤل بشأن الحسابات الأمريكية والروسية حيال تطور المشهد السياسي في فنزويلا. فدخول روسيا بشكل أكبر علي المشهد الفنزويلي إلي جانب الدعم الاقتصادي الصيني والتركي لحكومة مادورو، والغضب الأمريكي منه جعل فنزويلا ساحة لتصفية الحسابات وإظهار القوة بين المحاور المختلفة، فما يحدث في فنزويلا اليوم هو صراع نفوذ بين الولاياتالمتحدةوروسيا، يعمل كل طرف منهما علي إثبات قوته بشكل أكبر ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلي إطالة أمد الأزمة. تأخذ روسيا التهديدات الأمريكية بالتدخل العسكري في فنزويلا علي محمل الجد، إذ إن واشنطن تدخلت من قبل في دول أمريكا اللاتينية، أو حتي خارجها مثل العراق وسوريا، وبالتالي فروسيا تري التدخل العسكري ممكنا، وفي الوقت ذاته فإن موسكو ترفض التهديدات الأمريكية. التركيز الروسي في المرحلة الحالية سيكون من خلال دعم الشرعية الممثلة في الرئيس نيكولاس مادورو فهو الرئيس الشرعي المنتخب والذي جاء بانتخابات واضحة، وذلك من خلال الدعم السياسي والدبلوماسي وشحذ التأييد الدولي له. تطورات الأحداث ستتوقف علي مدي تصاعد التوتر الروسي الأمريكي، فكل جهة ستحاول تقديم المزيد من الدعم لحلفائها في الداخل، غير ان البعض يستبعد التدخل العسكري المباشر معتبرا أن لدي فنزويلا جيشا كبيرا وقوات مسلحة. أما في حال التدخل العسكري الأمريكي إن حدث، فلن تتدخل روسيا عسكريا، ولن تكون روسيا في مواجهة مباشرة مع الولاياتالمتحدة في فنزويلا، لكن سيكون هناك دعم كبير للجيش الفنزويلي وسيأخذ أبعادا مختلفة لوجستيا أو استخباراتيا أو أسلحة أو معدات علي الأقل في المرحلة الأولي. وقد يتكرر السيناريو السوري في فنزويلا بتحريك بعض الميليشيات أو خلق فصائل مسلحة في الداخل الفنزويلي ضد الرئيس مادورو، وهنا قد تتحرك موسكو لاحقا علي النموذج السوري ذاته، لكن يبدو ان هناك يقظة ولن يسمح بوصول الأمر إلي ذلك، وهناك حرص فنزويلي علي تأمين الحدود حتي لا تتكرر مسألة نقل السلاح والمقاتلين كما حدث في الحالة السورية.