تعتبر حوليات الملك تحتمس الثالث شيئًا فريدًا في عالم الآثار المصرية، خاصة المناظر الممثلة علي المعابد. ونعرف أن الملك تحتمس الثالث،والذي يُعرف باسم »نابليون العالم القديم»، قد قام بالعديد من الحملات الحربية الناجحة، من أشهرها موقعة مجدو التي انتصر فيها الجيش المصري. ولا تزال خططه العسكرية تُدرس في الأكاديميات العسكرية في العالم كله. ولعل السبب المباشر وراء إطلاق اسم نابليون علي تحتمس الثالث هو ما صاحبه من علماء أحضروا لمصر خيرات كثيرة، وتم نقش الرسومات علي معبده بالكرنك،والتي تظهر أنواع النباتات والطيورالتي أحضرها تحتمس إلي مصر. فقد أحضر إلي مصر أنواعًا من الأخشاب لم تكن موجودة، خاصة خشب الأرز الذي أحضره المصريون القدماء من ببلوس (جبل بلبنان حاليًا). وأحضر من سوريا أنواعًا جديدة من الأشجار والحيوانات التي لم تكن موجودة بمصر القديمة. وأحضر أيضًا مجموعة من الأزهار التي تمت زراعتها في طيبة. وقد نُقشت بصورها وأنواعها علي معبده بالكرنك. وأُطلق علي هذه الأزهار اسم »حديقة أو جنينة النباتات»؛ ولذلك نشاهد لأول مرة كل هذه الأنواع الغريبة من النباتات الجديدة علي مصر مزروعة في هذه الحديقة. ووجد العلماء أن هناك 175 نوعًا من النباتات تم إحضارها إلي مصر.وأهمها، ولم يكن معروفًا من قبل، الرومان والأيرس (الزنبق). وقد أمر الملك العظيم تحتمس الثالث بأن تهدي هذه النباتات إلي معبد أبيه الإله آمون. أما أهم شيء أحضره إلي مصر فكان الزجاج الذي عُرف لأول مرة فيعصر الدولة الحديثة. ومن المعروف أن الذهب في مصر كان مثل التراب؛ لأن ملك ميتاني أرسل خطابًا إلي الملك أمنحتب الثالث يطلب منه أن يرسل إليه ذهبًا من مصر؛ لأن الذهب في مصر مثل التراب، علي حد قوله. أما الفضة، فكانت نادرة؛ ولذلك أعتقد الفراعنة أن مصدر الفضة كان أرض سوريا وفلسطين.وأحضر تحتمس الثالث العديد من أطباق الفضة، بالإضافة العديد من الأواني من اللازورد. وقد نقول إن هذا العهد هو العصر الذهبي لمصر سواء في العسكرية المصرية أو في الخيرات التي جاءت من خلال هذه الغزوات.ولقد أصبح معبد الإله آمون في الكرنك مليئًا بكل ما أحضره الملك من بلاد الشرق الأدني القديم،وبالتالي أصبح كهنةالإله آمون أيضًا من أثرياء القوم؛ لذلك وقفوا وراءالملك تحتمس الثالث ووصفوه بالعظيم مثل الإله آمون علي الأرض. ولم يكتفِ هذا الملك بالاستيلاء علي مدن سوريا وفلسطين، ولكن ذهب إلي قادش وحاصرها؛ ولذلك كان علي كل أمراء هذه المدن أن يدفعوا الجزية السنوية لمصر. وفي نفس الوقت،اتبع هذا الملك سنة جديدة، وهو أن يأتي بأولاد الأمراء كي يتعلموا في مصر،وبالتالي يعودون إلي بلادهم وهم موالون لمصر ولملكها العظيم. وفي نفس الوقت،اهتم هذا الملك العظيم اهتمامًا كبيرًا بسيناء وحصّنها. وأقام بها العديد من الحصون الحربية علي طريق حورس الحربي؛ لأن المصريين القدماء وجدوا أن الخطر يأتي لمصر عن طريق سيناء، وأن الهكسوس الذين استعمروا مصر حوالي 150 عامًا جاءوا من سيناء؛ لذلك كان لابد أن يهتم الفراعنة بسيناء ليس لما فيها من خيرات عظيمة، ولكنها لموقعها الاستراتيجي الذي يُعد بوابة مصر الشرقية وحصنها الحصين.