تحولت مصر علي مدي الشهور الأخيرة إلي مسرح للقلق والاضطراب الذي شمل كل مظاهر الحياة. كل الشواهد تؤكد أن مشاعر العناصر الفاعلة علي الساحة اتسمت بالجحود والتجرد من مسئولية الحفاظ علي كيان هذا الوطن. سيطر علي الموقف نزعة الصدام المجتمعي المدمر دون اعتبار لمصالح الغالبية من ابناء الشعب الذين مازالوا حتي الآن صامتين لاحول لهم ولا قوة. المؤسف انه وفي نفس الوقت جنحت الاجهزة المنوط بها إدارة شئون هذه الدولة الي الفرجة والصمت تجاه ما يجري. الجميع اختاروا الشرنقة القائمة علي عدم التدخل وكأن دمار هذا البلد لا يهمهم. بالطبع فإن وطنا بحجم مصر وتاريخها ومكانتها لا يمكن ان يُسمح بأن تبقي أموره علي هذه الصورة التي »لا تسر عدو ولا حبيب«. في هذا الاطار وكلما ظهرت علي السطح مسحة من التفاؤل حول صلاح الاوضاع.. تبرز المفاجآت غير السعيدة التي تضيف المزيد من التشاؤم واليأس. إن ما يحدث يعطي مؤشراً بأن مسا من الجنون قد أصاب الشارع المصري الامر الذي دفعه الي العمل علي نشر وتكريس الفوضي. هنا يثور التساؤل.. هل يمكن لاي بلد ان تسير الاحوال فيه علي هذا المنوال؟ إن آخر ما كان يمكن ان تتطور اليه هذه الاحداث المأساوية أن يمتد هذا الصدام الي جناحي العدالة الممثلة في القضاة والمحامين. هل كان يدور بخلد أحد وصول الصراعات الدائرة حالياً إلي تهديد الأمل الباقي لابناء هذا الوطن في تحقيق الامن والامان. هل يمكن ان يتصور احد ان تتخلي أركان العدالة عما تملك من حكمة ورجاحة عقل وتقدير لما يحقق الصالح العام الذين هم أمناء عليه؟. أين الضمير والعقل والتشرب بروح القانون والعدالة في حل ما بينهما من سوء فهم يقوم علي اسباب ليس من المستحيل ازالتها. إذا كانت مصر ونتيجة للانفلات الأمني والفوضي قد تعرضت لهزة عنيفة تهدد كيانها.. فإن احداً ما كان يمكن ان يفكر ان تتحول العدالة الي ضحية لهذا التيار المدمر. كيف بالله يمكن ان يسمح ضمير واخلاق وقيم حماة العدالة بحرمان المجتمع من الحصول علي حقوقه من خلال القضاء؟ أليست كارثة أن يتم اغلاق المحاكم نتيجة حصارها من جانب المحامين وهو ما اضطر القضاة الي الامتناع عن القيام بواجباتهم المقدسة مبررين ذلك بالحفاظ علي امنهم وحياتهم وتجنب ضياع حقوق المتقاضين. ألا يوجد عقلاء قادرون علي نزع فتيل هذه الازمة التي تضرب آخر معاقل الاستقرار في مصر. رغم أنني لست ضليعاً في قضية الخلاف بين القضاة والمحامين.. الا أنني ومن خلال متابعتي للجدل الدائر أدعو الي العودة مرة اخري إلي حل وسط يُبقي المادة 81 في قانون السلطة القضائية علي ما كانت عليه قبل التعديلات ويا دار ما دخلك شر. أعتقد أن لا مجال للاعتراض علي حل بهذا الشكل علي أساس انه سوف يساهم في إنهاء هذه الازمة المقلقة. إنني علي ثقة بعودة الوئام بين قضاتنا الأجلاء والمحامين الافاضل إذا ما توافرت حسن النوايا وعودة المشاعر الخيّرة تجاه الوطن.