عندما نتابع خطوات السياسة المصرية خلال الشهور التي شهدت ثورات الربيع العربي نجد أنها اتسمت بالعقلانية وعدم التهور سواء في البيانات أو السلوكيات والممارسات التي ازدحمت بها الساحة السياسية الاقليمية والدولية.. ورغم أن مصر كانت الرائدة في قيادة هذه الثورات الشعبية الا أن مواقفها جنحت إلي الوقار والرزانة ومراعاة مصالح مصر العليا مع هذه الدول وشعوبها. أن أي متابع لهذا الخط السياسي المصري لابد وأن يوجه التحية الي المجلس الاعلي للقوات المسلحة وإلي حكومة الدكتور عصام شرف. هذه الاستراتيجية السياسية المصرية التي لم تتعود عليها والتي تجنبت العصبية والمعالجة الهوجائية للامور تجسدت في التعامل مع الازمة الليبية بوقار وعقلانية منذ البداية وحتي النهاية. التزمت مصر الثورة علي عدم اتخاذ اي موقف قد يشم منه شبهة التدخل في شئون الشعب الليبي. لقد كانت مصر حريصة علي هذا الامر حفاظا علي حياة مئات الالاف من المصريين الذين اختاروا البقاء في ليبيا حتي بعد أن تم تقديم كافة التسهيلات لعودتهم.. كان ذلك واضحا في ضبط الحدود المصرية لمنع أي نوع من التدخلات أو تقديم المساعدات غير المشروعة وفي مقدمتها تهريب السلاح. انحصر موقفها في استقبال ومساعدة الاخوة اللاجئين الليبيين وتيسير سبل انتقالهم لغير القادرين الي داخل المدن المصرية. في نفس الوقت فأنها كانت تلبي أي طلبات من الاغذية والاحتياجات المعيشية باعتباره ينسجم مع روح الاخوة والمشاعر الانسانية. وبعد ان تحول سقوط نظام القذافي الذي اصبح واقعا وتواصلا مع العلاقات الاخوية الوطيدة التي تربطنا مع الشعب الليبي الذي اختار الثورة علي هذا النظام واسقاطه أملا في الحرية والديمقراطية.. جاءت مبادرة مصر بالاعتراف بالمجلس الوطني الليبي الذي قاد هذه الثورة. لاجدال انه وانطلاقا من علاقات الجوار اللصيق علي حدودنا الغربية فقد لقي هذا الموقف المتوازن تقبلا من كل اطراف الصراع. من ناحية اخري فأنه كان لمصر موقف واضح يقوم علي معارضة التدخل الاجنبي في شئون ليبيا وعدم تعريض ابناء الشعب الليبي لاخطار الموت نتيجة غارات الناتو التي كثيراً ما كانت تفقد الطريق الي الأهداف العسكرية التي أدعت استهدافها. من المؤكد أن الموقف المصري سيكون واضحاً تماما تجاه تطورات الاحداث في ليبيا مستقبلاً باعتباره امراً متعلقا بأمنها القومي ومصالحها العليا واضعة في الاعتبار الحدود المشتركة التي تمتد لمئات الكيلو مترات وباعتبار أن ليبيا هي مفتاح مصر الي باقي دول الشمال الافريقي الشقيقة. انسجاماً مع هذه الحقائق فان مصر سوف ترفض اي تدخل خارجي في الشئون الليبية وبالتالي فأنها سوف تعمل علي أن يكون للشعب الليبي وحده الحق في تقرير صورة الدولة الليبية المستقبلية. وفقا لهذه الاسس فأن الدولة المصرية التي ساهم ابناؤها علي مدي سنوات وسنوات في مساعدة وتنمية ليبيا- رغم الحكم الديكتاتوري- جاهزة ومستعدة لتقديم جميع المساعدات اللازمة لإعادة تعميرها والمساهمة في بناء مؤسساتها. في هذا الاطار يجب أن يكون هناك انفتاح سياسي مدروس وان يكون أي تحرك نابعا من عمق العلاقات التاريخية بين البلدين. من الضروري أن توضع في الحسبان كل العوامل والعناصر الخارجية التي تتمثل في هرولة العديد من الدول كي يكون لها موضع قدم في ليبيا طمعاً فيما تملكه من ثروة بترولية. من ناحية أخري فانه ليس لدي هذه الدول مانع من العمل علي تكريس نفوذها في توجيه السياسة الليبية في اتجاه خدمة مصالحها. اعتقد أن الحدود المشتركة والعلاقات التاريخية سواء كانت سياسية أو اقتصادية او اجتماعية بين مصر وليبيا تعد عاملاً هاما في تعظيم الدور المصري في دعم المسيرة الليبية خلال المرحلة القادمة.