عاد »رفيق الحريري« إلي وطنه الأم لبنان في عام 1966 بعد أن أمضي عقوداً طويلة في السعودية، حقق فيها نجاحات ضخمة واكتسب خبرات مشهودة استند إليها في أعماله ومشروعاته التي تفرغ لها لتنمية اقتصاد لبنان وتقويته. ما حققه »رفيق الحريري« في لبنان، ولشباب لبنان، حمّس كثيرين لمطالبته بالعمل في السياسة ليضيف السلطة إلي الثروة من أجل لبنان وشعبها. ورفض »رفيق« النصيحة، وآثر الابتعاد عن السياسة والساسة لسنوات عديدة، ومتتالية. لكن الأمر اختلف فيما بعد، عندما تأزمت الإوضاع في لبنان، الذي ما إن يخرج من أزمة إلاّ ويسقط في أزمة أخري.. وكلها أزمات تتصارع حولها أطراف عديدة خارجية، أضعفها بالطبع كان الطرف اللبناني! الكاتب اللبناني الكبير »غسان تويني« لخص الوضع الصعب للبنان آنذاك قائلاً: »إنها الحرب من أجل الآخرين«. ولم يكن صعباً علي الرأي العام تحديد هوية »الآخرين« الذين أشار إليهم الأستاذ غسان تويني. فهم كما جاء في الكتاب الفرنسي:»هل ماتوا هباء؟!« الفلسطينيون، والإسرائيليون، والسوريون، و لبنانيون من كل الطوائف والمعتقدات والتوجهات! إنقاذاً للبنان من ويلات »الحرب من أجل الآخرين«، قرر »رفيق الحريري« أن يلغي مقاطعته للسياسة شيئاً فشيئاً ، ويشارك من يتفق مع أفكارهم ومواقفهم في السعي إلي إنهاء هذه الأزمات المتتالية التي لا علاقة لأغلبية الشعب اللبناني بها من قريب أو بعيد. خلال الفترة من 1992 إلي 2004 تولي »رفيق الحريري« رئاسة الحكومة اللبنانية 5مرات، وبأغلبية برلمانية كبيرة المرة بعد الأخري، خاصة في عام 2000 عندما حظي »الحريري« بأغلبية كاسحة يمثلها نواب من إجمالي عدد نواب المجلس البالغ 129 لاغير. ولابد أن هذه الشعبية الساحقة أزعجت ما يعرف ب »الآخرين« من بينهم سوريا التي يتعاظم دورها استناداً إلي ال 14 ألف جندي معسكرين بصفة دائمة في لبنان، بالإضافة إلي عدد آخر غير محدد من »رجال« الأجهزة الخاصة، والأعوان، والأنصار.. وما أكثرهم. والشيعة التي تعاظم دورها بعد أن ازداد عددهم، من جهة، وقيام ذراعهم العسكرية »حزب الله« من جهة أخري. ولم يكن خافياً عداء قادة »حزب الله« وكراهيتهم لرفيق الحريري. و هم لا يرون فيه أكثر أو أقل من »عميل« للسعودية، وللأمريكان (..). والغريب أن من وصموا »رفيق الحريري« بالعمالة للسعودية وأمريكا، هم أنفسهم بشهادة الدنيا كلها عملاء مفضوحون للحزب الثوري الإيراني! ومع تزايد الإرهاب الذي يمثله »حزب الله«،الشيعي، اضطر كبار الموارنة من المسيحيين مثل: »الجنرال عون« ورئيس الجمهورية اللبناني:»إميل لحود« إلي مهادنة عملاء الإرهاب الإيراني »حزب الله ومحاولة تحييدهم بالابتعاد تدريجياً عن رئيس الحكومة »رفيق الحريري« ليس كرها فيه وإنما نفاقاً لحزب الله! وهو ما تحقق بالفعل.. عندما ساءت العلاقات بين رئيس الجمهورية وبين رئيس الحكومة بمناسبة وبدون مناسبة، وأصبح العداء بينهما علناً بعد أن بدأ خافيا! وقتها.. قيل أن »لحود« و »عون« وأنصارهما اقتنعوا بأن حكم لبنان يتم من خلال موافقة طهران وعبر »حزب الله«، مما يتطلب منهم أن يحبوا من يحب إيران، ويعادوا من يعاديه حزب الله! منطق الانتهازيين والمنافقين لم يقبله رئيس الحكومة »رفيق الحريري« الذي شغل منصب رئيس الحكومة للمرة الخامسة بأغلبية شعبية وبرلمانية كاسحة. وهو يري أنه جاء ليخدم لبنان واللبنانيين من خلال صلاحياته وواجباته وحقوقه التي نص عليها دستور البلاد وليس علي استعداد لتحمل »رذالات« أو »صفقات« أو »توازنات« من يتصارعون كالوحوش علي الفوز بالسلطة أو المشاركة فيها.. علي الأقل! حاول »رفيق الحريري« مراراً وتكراراً أن يقنع خصومه بأن للخصومة خطاً أحمر يجب التوقف قبله. فهو لا يريد محبتهم، لكنه ينتظر في الوقت نفسه احترام حقوقه وصلاحياته وعدم محاولة التعدي عليها أو التغاضي عنها. ولم يقتنع الخصوم بأي حل وسط يرضي الطرفين. لأنهم لا يريدون أصلا إرضاء خصمهم بأي شيء ولا ينتظرون من عدوهم بالتالي أن يرضي عنهم! »رفيق الحريري« الذي اختاره الشعب رئيساً للحكومة 5 مرات رفض أن يترك الوضع علي ما هو عليه، وعلي المتضرر أن يضرب رأسه في أقرب حائط. فلم يكن خافياً عليه أن الاستمرار سيؤدي إلي حرب أهلية جديدة ستكون وبالاً علي الشعب اللبناني أولاً وأخيراً. وكان القرار الحكيم هو أن يتقدم باستقالته من رئاسة الحكومة في عام 2004 رغم اعتراضات معظم أنصاره وجماهيره. .. وأواصل غداً. إبراهيم سعده [email protected]