كانت التغطيات الصحفية لرحلات الرؤساء في تلك الايام غير ما آلت اليه فيما بعد، تكتب عن كل رحلة باعتبارها قصة صحفية (ستوري) متكاملة بتفاصيل وحكاوي ومعان تتباري كل صحيفة في روايتها... ألمي يجب غضبي حتي لأجدني أعجز أن أهب تلقائيا هذه المرة دفاعا عن أبناء اخوتي في الوطن.. لأول مرة افتقد التبرير لما وقع من اعتداء علي حراس الوطن.. الغبن الواقع لا يبرر حجم الاثم الذي وقع مع التجهيز وسبق الاصرار، وللتدبير كانت مقدمات لم تفت عين المراقب... فمنذ نحو أسبوع شهدنا وسمعنا مشدوهين شبابا مصريا يتفوه بعبارات رنينها كان عنيفا وغريبا علي النفس قبل الاذن.. شابا يافعا أمام الشاشة في الطريق يزعق بالعجب الذي يطرق آذاننا لأول مرة ".. نحن هنا أهل هذا البلد الاصليين... " ! لابد وبوغت كل مصري علي الاطلاق ممن سمع هذا التعبير وغيره.. أي قول رهيب هذا ان صدر من مسيحي او من مسلم سيان وما كان ليخطر علي ذهن من قبل.. متي كان بيننا مصري أصيل ومصري دخيل، لم تقل يوما ولا للمتمصرين ممن عاشوا بين أهلينا .. اني لواثقة بأن كل من رأي ذلك المشهد الغريب علينا أدرك للتو أن لعبا مروعا يجري في دماغ أمثال هذا الشاب الغض.. فلما بوغتنا بعد أيام معدودة بتلك الشراسة العجيبة التي اتسمت بها تلك التظاهرة المعبأة بمشاعر جياشة جاهزة للاستفزاز الصريح، أدركنا انها لا تلقائية ولا طبيعية بل الدور اكتمل والتدبير تجلي .. المحرك يفصح عن نفسه مشيرا الي غرضه المكشوف : ترتيب موقف يدفع السند الاخير لهذه البلاد - القوات المسلحة المصرية - لتقف في هذه الآونة الحرجة الي أصعب امتحان يمكن ان يواجهه جيش.. موقف لا يخطر او يفكر فيه غير أبالسة ! وحقنا نحن المصريين جميعا أن نطالب بمعرفة من هم هؤلاء الأبالسة .. فانه لأمر مروع لا نحتمل ترويعا آخر من بعد ونحتاج الي تحصين جسم الوطن الذي يريدون تمزيع أوصاله... ليس بغير قوانين فعالة وحالا نطالب بها لتصون حرمة الاديان وندوس علي الفتنة بالأقدام...بعدها كل من اي يعبث وأي من يعبث، فهي الخيانة العظمي وتطبق عليه . جيهان السادات أي اتزان في الرأي ودقة اختيار في اللفظ وتعفف اللسان، واجتمعوا بهالة من ضياء طلعة، وبهاء من صفاء ذهن وروح ملأت الشاشة .. حديث السيدة جيهان السادات الي معتز الدمرداش منذ أيام قليلة اعتقلنا برضانا في سهرة لم نحد ولم نهرب حتي من الفواصل والاعلانات، رغم ان كل ما دخل في نطاق المعلومة سبق ووجدت طريقها الينا ولكنها الشخصية هي الآسرة، والحكي الذي يخرج من الجوانح هو ما يستهوينا ... وهنا دليل آخر يدل علي ان من الشخصيات رجالا ونساء من ذوي الحضور الشخصي يفوقون من في المناصب وأهل السلطان... أول ما عرفت هذه السيدة كبيرة المقام كان خلال أول زيارة رسمية للرئيس السادات وقرينته جيهان الي الولاياتالمتحدة في عهد الرئيس الامريكي فورد عام 5791 وكنت علي ايامها مندوبة حديثا لدي رئاسة الجمهورية واذكر جيدا ذلك المساء في نيويورك خلال تلك الرحلة الرسمية الاولي أن كانت السيدة جيهان تعقد اجتماعا نسائيا موسعا باحدي قاعات فندق والدورف أستوريا.. وقد اضطررت لدواعي الجري بين المقابلات هنا وهناك أن أتأخر قليلا عن بدء الاجتماع الذي بدأ بمصافحتها جمع السيدات المصريات والامريكيات قبل أن يجلسن جميعا في صفوف متراصة استعدادا لبدء الاجتماع .. وهنا دخلت متسللة خجلي فلمحتني السيدة جيهان فاتجهت لي ببصرها وامام كل هذا الحشد وقفت من مقعدها تمد يدها لتصافح الصحفية التي دلفت متأخرة .. كانت لفتة لا متوقعة ولا معهودة أسرتني تماما.. بعدها قلت للأستاذ موسي صبري (رحمة الله عليه) ما الذي يجعل قرينة رئيس الدولة تقف من جلستها لتصافح العبدة لله التي لا حول لها ولا طول (وما زلت) قال لي هذه طبيعتها وستعرفينها ثم ادركت فيما بعد أنه الذكاء الاجتماعي الفائق كذلك ... أذكر أنني في التغطية الصحفية لتلك الرحلة الرسمية الاولي أستعملت التعبير الامريكي الدارج الذي يعرف قرينة الرئيس بكونها " السيدة الاولي " وقد كانت التغطيات الصحفية لرحلات الرؤساء في تلك الايام غير ما آلت اليه فيما بعد، كنا تكتب عن كل رحلة باعتبارها قصة صحفية (ستوري) متكاملة بتفاصيل وحكاوي وظلال وتتباري كل صحيفة في روايتها ... ومن تلك الرحلة الرسمية الاولي دخل تعبير السيدة الاولي الي مصر وان كنت غير مسؤولة عما آل اليه اللقب فيما بعد من تحوير .. فمن تعبير السيدة الاولي تحول الي سيدة مصرالاولي.. وفارق وأي فارق بين السيدة الاولي علي نساء البلاد والسيدة الاولي علي البلاد.. والذي لا يفرق بين هذا وذاك ماذا تقول فيه ؟ استعجال ام استهبال أم نفاق مع سبق الاصرار؟ بمناسبة التغطيات الصحفية ومندوبي الرياسة أذكر أن علي أيام الرئيس الراحل السادات وايضا علي مدي الأعوام الخمسة اوالستة الاولي من حكم الرئيس السابق مبارك كان الرئيس هو المصدر الاساسي لنا مندوبو الرئاسة.. وشيء عادي ان نسأله كلما لقيناه فلم تكن الامور بكل تلك التعقيدات والحواجز والاسوار التي حبكتها البطانة مع مرور الوقت .. كنا نسأل مباشرة بلا وسيط ولا متحدث رسمي ولا غير رسمي .. الرئيس السادات كان يعاملنا جميعا بأبوة وتعبيره الوارد دوما ويدعونا به " تعالوا يا ولادي " فنجلس اليه وحوله لو سمح وقته، ومن يجد كرسيا يجلس ومن لا يجد ففي الارض متسع ، كان يعاملنا مثلنا مثل كبار الصحفيين ورؤساء التحرير بل ربما كان احن علينا منهم، واستمر الحال علي هذا المنوال حتي قبل العام الاخير من حياته، عندما هاجمته الهموم من تصرفات الاسرائيليين حتي تمحورت الامور عنده علي تحقيق انسحابهم النهائي من سيناء في موعده المحدد واعتبره سباقا مع الزمن فقد أحس أن اسرائيل قد تتلكك بأي علة لتعدل عن الاتفاق عندما بدأت تشعر في تلك المرحلة بفداحة الثمن الذي تدفعه نظير (ورقة) علي حد ما كانوا يرددون ! تلك المرحلة شعروا تماما لأي حد قد استدرجهم السادات بالحرب تارة والسلام تارة فانتزع منهم جوهرة التاج . يوجع قلبي ما أري أهذه عاصمتنا الشامخة هانت علينا لنزدريها بهذا النحو.. أم تري نحن من ازدرينا بأنفسنا عندما هانت علينا قاهرتنا لهذا الحد ؟ كلا ليست هذه بقاهرتي المحفورة في القلب دونها في عيوننا روائع المدن أجمعين واسأل أي من اغترب عنها تعرف الجواب ... أترانا نستطيع الآن ان نفعل من اجلها شيئا بالجهود الذاتية ؟ مشكلتها أو بالاصح مشكلتنا لا دخل لها بامكانيات حكومة ولا باقتصاد منهك ولا مع برامج اصلاح ولا غيره، المسألة في قلة الهمة والعزم والحس المتبلد والأفق المحدود والجهل الفاقع الذي يلد قذي للعين .. عوامل التدهور والانهيار والهدم أسرع وأوضح بكثير من عوامل البناء والمحاولات الفردية هنا أوهناك .. ماذا يستطيع ان يفعله أفراد مقابل جيوش غوغائية وزحفت علي كل أخضر في حياتنا واكتسحت فطمس في طريقها كل الأشياء الجميلة في حياتنا.. نظرة الي ما حول الطرق السريعة من دائري وغيره تخبرك بأي درك سفلي انحدرنا علي مر العقود.. فما العمل ؟ قلبي يتقطع حسرة علي قاهرتي مصر، نعم فالقاهرة عندنا يا مصريين هي مصر، ألا يقول الواحد منا نازل مصر وهو يعني القاهرة، وجاي لمصر وهو يقصد القاهرة، ومحطة مصر وهي محطة سكك الحديد الكبري تتوسط القاهرة.. هذا علي الارجح من أول أسباب البلاء الذي نعانيه عندما يتجه القطر كله الي سكني مصر أقصد القاهرة فاذا لم ينتقل الجد والاب فالبركة في الابناء، كل يترك مسقط رأسه ليسكن القاهرة ويا ويل عاصمة يكون هذا قدرها... ولو كان لدينا حكم محلي حقيقي لنهض بكل محافظات وأقاليم مصر وبقي أهل كل مدينة وقرية وزمام في مصر علي ارضه عزيزا ومعتزا ولنهض بها وسعدت به وزار القاهرة ليبتهج كل حين وحين ... انما التبلد واللامبالاة وغياب التخطيط وركون الحكومات المتعاقبة الي النظر تحت قدميها ولا شيء يهم طالما كل كبير تيسر له سبله ويجد من يحل له مشاكله فكله يهون البلد كلها تهون... هذا كان الطابع العام للحكومات الميمونة بما أدي لهذه المأساة التي تعانيها القاهرة بزحامها الخانق وجوها الملوث وحلول مؤقتة قصيرة النظر تعود بالامور الي ما هو أسوأ منها ويكفي ويلات المرور التي عجز عنها الفكر بينما مدن اخري استطاعت ان تحل مشاكل زحامها مثل طوكيو وغيرها ... حدث في هذا الأسبوع ان رحت في غفوة قصيرة بعد ظهر قائظ فرأيت رأي العين وزارة جديدة منتخبة من الشعب وهي تتشكل، ففوجئنا بنبأ ضم وزارة جديدة تكون مهمتها ضمن أولوياتها القاهرة، تعيد اليها بهاءها وحسنها وسحرها، فاختارت وزيرا لوزارة مخصصة للمهمة، ذو رؤية وحس راق وحزم وعزم و.. بصلاحيات واسعة ... صيانة، اصلاح طرق وأرصفة، انارة نظافة حتي لو تداخلت اختصاصاته في سائر الوزارات .. قراراته فرمانات تطاع لا يحدها غير القانون... طالت الغفوة فرأيته متجسدا يبدأ عملية تطهير شاملة لما يعرف بالمحليات فطال رؤساء أحياء ونوابهم واتباع وكافة أعوان علي بابا وفرق تنابلة السلطان... من بعد الفرز والتطهير ونقلهم لمرافق أخري وضع نظاما يشبه المعمول بها في كل الدنيا .. نظام البلدية بمشاركة سكان كل حي في تنظيم خاص بهم ويا حبذا لو تكون الغالبية من سيدات الحي، وبقيت اهمهم وأتساءل ( ولاحظ أنني ما زلت في حلم الغفوة ) لماذا نبقي علي سياسات فاشلة نلعنها كل يوم ولا نغيرها، ونفتقد نظما صارمة نطبق بحزم ثم لا نفعل شيئا و... عند هذا الحد أفقت من غفوتي يا خيبتي ! من عهد لم نعشه... اتفرج يا سلام علي حلوان زمان... اعلان ( بالانجليزية ) مشفوع بصورتين بديعتين : إحداهما لمبني ارابيسك بقبة في حضن الشجر والعنوان : حلوان - الحمامات (61 ميل من القاهرة) ينابيع كبريتية ذ مالحة.. منشأة لحمامات الكبريت وتدليك ومعالجة كهربائية الخ... مناخ دافيء وجاف وغير متغير وفي موقع صحراوي.. الحمامات تصلح لعلاج الروماتيزم والنقرس والروماتويد والتهاب المفاصل والبول الزلالي والامراض الجلدية المزمنة... هذا هو الموقع الكبريتي الوحيد المتاح شتاء .. جولف وتنس ورحلات... ثم الصورة الأخري لفندق يشبه في الشكل من الخارج فندق كتراكت القديم في أسوان، وتحت الصورة سطر يقول : جراند أوتيل ذ حلوان .. فندق درجة اولي مع ترتيبات خاصة للمرضي ومفتوح للنزلاء من شهر نوفمبر حتي أبريل .. ما رأيكم دام فضلكم ؟ هل نتقدم أم نتأخر ؟! آخر سطر الي المنافقين القدامي - الجدد: اختشوا !