وأنا في عز وجعي الشخصي تلقيت رسالة صادمة برحيل المخرج المبدع »محمد أبو السعود»، كنت أعلم أنه مريض، وأعرف ينزوي داخل قوقعته عندما يشعر بالغبن الذي يصل لحد القهر، فمن هم في نقاء وشفافية ورقة وإبداع »محمد أبو السعود» نفوسهم خزفية سهلة الكسر، موهبته الكبيرة يتم التقاطها بسرعة فيتعري أمامنا أشباه الموهوبين الذين يستحوذون علي الساحة بالفهلوة، وعضوية الشلة التي تقوم علي تصالح المصالح فلا تترك مساحة لأمثال »محمد أبو السعود» وأصحاب الإبداع الحقيقي. قد تبدو كلماتي مغموسة بالوجع، لأني حاولت كثيرًا دعم الإبداع الذي يستحق، ووقفت كثيرًا في وجه الفساد المسرحي، لكني صدمت في الوجوه التي تعين الفاسدين، قد يكون اسم »محمد أبو السعود» غير معروف للعامة، ولم ينل شهرة »الأراجوزات» الذين لا يمتلكون ربع موهبته الإبداعية التي لا يخطئها الضمير النقدي، وفي مقدمتها رائعة »الملك لير» مع الراحل خالد صالح، و»انتيجوني في رام الله. انتيجوني في بيروت» و»ماما أفريقيا»، ولهذا تحول »الفيس بوك» إلي منصة عزاء من أجله، بكلمات الرثاء التي تدمع القلب وتؤكد أنه لم يمت بمرض، أو بعزلة، إنما مات بقهر يشعر به كل من يملك إبداعًا شديد التألق، المخرج محمد مرسي طالب بأن تحمل الدورة القادمة للمهرجان التجريبي اسمه وأسانده في طلبه، والمخرج محمد فوزي كان أكثر صراحة في كشف الأراجوزات عندما قال »أبو السعود ميت من سنين، لما اتمنع أنه يقدم أحلامه واتركن علي الرف، هي دي الحقيقة اللي توجع»، نفس الوجع عبرت عنه الكاتبة رشا عبد المنعم بقولها »المرض ما هزمش محمد، لكن خذلان المسرح ليه بعد كل العطاء والإبداع هو اللي هزمه». أما الناقد المسرحي الكبير جرجس شكري فقد أوجعني أكثر عندما كتب قائلا: »وداعاً يا صديقي الذي رحل لأنه لا مكان له في هذا الكيان المسرحي المزيف والحافل بالكذب ويحكمه ويسيطر عليه أنصاف المواهب، وداعاً أيها المخرج الموهوب ورجل المسرح الحقيقي محمد أبو السعود».