لم يخذلنا جيشنا في أخطر مواجهة مع أصعب وأشرس التحديات المتمثلة في الموانع الرهيبة التي جعلت العالم كله يثق في استحالة التصدي لها، لكن جيشنا قبل التحدي الصعب، وفعلها.. فاقتحم القناة بما كانت تحمله في باطنها من مواسير »النابالم« التي كان من الممكن ان تحول سطحها إلي جهنم. لولا أن العقل المصري تألق فاقترح ضابط شاب فكرة التعامل مع هذه المواسير لإبطال مفعولها، وتولي أبطال من الصاعقة والضفادع البشرية عملية سدها بخلطة أسمنتية مبتكرة، ثم كان »السد الترابي« الذي يرتفع إلي أكثر من 22 مترا، واتضح ان أية محاولة لفتح ثغرات فيه تتقدم من خلالها مدرعاتنا بالوسائل المتعارف عليها كانت دون جدوي، فأعمل ضابط شاب قريحته وطرح فكرة مضخات المياه التوربينية التي نجحت تماما، وشقت جبال الرمال لتعبر من خلالها مدرعاتنا ومركباتنا، ثم كانت حصون »خط بارليف« التي كان وراء إنشائها »الجنرال حاييم بارليف« الذي نال الثناء كل الثناء لأنها وحدها كفيلة بإجهاض أية محاولة مصرية للعبور بل وتدمير الجيش المصري لو خدعه شيطانه وفكر في التقدم إلي سيناء، ولم تكن تلك هي كل الموانع الرهيبة التي تحتم علي الجيش مواجهتها واجتيازها فالسلاح الجوي- الذي أمدته الولاياتالمتحدةالأمريكية بأحدث ما أنتجته مصانعها من طائرات مقاتلة وقاذفة- متربص ومتأهب للانقضاض بالموت والهلاك علي أية قوات يمكن أن تنجح في تجاوز الموانع السابقة، هذا إلي جانب الحرب النفسية الضارية التي شنتها وسائل الاعلام الاسرائيلية والغربية لتجعل من جيش الدفاع أسطورة مخيفة، وتصور المصريين بأنهم لا يجيدون سوي الانسحاب، ولا صلة لهم بالحرب، وهم لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون. كانت كل تلك الموانع تقف كالمستحيل أمام جيشنا، ولو أن أي جيش آخر واجهها لأصابه اليأس وتردد ألف مرة في مجرد التفكير في مواجهتها لكن جيشنا والحمد لله كان أكبر منها، وتصدي لها ببراعة وشجاعة منقطعة النظير فكان العبور العظيم رغم أنف المانع المائي ومواسير النابالم وكان اقتحام حصون خط بارليف من خلال معارك هائلة تجلت فيها شجاعة مقاتلينا وظهرت حقيقة الجنود الاسرائيليين الذين أصابهم الفزع وحاولوا الفرار فسقط منهم من سقط قتيلا أو جريحا واستسلم منهم من رفعوا أيديهم إلي أعلي طالبين العفو والمغفرة، ودُمرت المئات من دباباتهم وأسقطت المئات من طائراتهم حتي أن اليوم الأول من الحرب شهد إسقاط ستين طائرة مما جعل وزير دفاعهم »موشيه دايان« يصاب بالانهيار ويقول انه »ما كان يتمني ان يكون في موقف أحد أطقم مدرعاتهم أو في موقف أحد طياريهم!« هكذا لم يخذلنا جيشنا فأكد أنه الدرع التي تحمي أرضنا وتصون كرامتنا وعرضنا. ثم جاءت »ثورة 52 يناير« لتكون اختبارا آخر لجيشنا: هل ينحاز إلي »النظام السابق« ويتحول إلي يد تبطش بشبابنا وثورتنا؟! أم ينحاز إلي الثورة ويحتضنها ويحميها ويدعمها؟! وبالتأكيد كان البيان الأول الذي صدر عن الجيش مؤكدا أنه يتفهم مطالب الثوار نقطة تحول كبري في مسيرة الثورة خاصة وقد توالت بيانات المجلس الأعلي للقوات المسلحة لتؤكد أن الجيش عند موقفه المساند والمدعم لها، وتعالوا يا حضرات نتكلم بصراحة: ألم يكن المشير طنطاوي ورفاقه في موقف بالغ الحرج والصعوبة عندما رفضوا بحسم طلبات وتوسلات الرئيس السابق وأعوانه، وتجاوزوا مشاعر الود والصداقة التي تولدت من خلال العمل معه لسنوات طوال؟! مؤكدين انتماءهم الأصيل للشعب وتبنيهم الكامل لشعارات الثورة وأهدافها، والمؤكد ان هذا الموقف الوطني الرائع للجيش قد صدم مبارك ورجاله، وأربك خططهم لإجهاض الثورة فكان الاستسلام والتنحي. والمؤكد أيضا ان أية مقارنة بين موقف جيشنا وما حدث في ليبيا واليمن وسوريا يمثل وساما آخر علي صدر قواتنا المسلحة التي سجلت تاريخا جديدا يتسق ويتفق مع تاريخها في »أكتوبر«، وهذا ما لا ينكره جاحد أو حاقد حتي لو حدثت اختلافات في وجهات النظر مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي شاء القدر أن يتحمل عبء المسئولية الكبيرة خلال الفترة الانتقالية وسط تداعيات نتائج الثورة، وتضارب المواقف بين القوي السياسية، وصعوبة الاستجابة للمطالب الفئوية التي عاني أصحابها أشد المعاناة خلال سطوة النظام السابق.