ومضات.. أحاديث.. كلام.. وأحيانا غناء أو حتي بكاء.. المهم أن الحديث لا ينتهي داخل أنفسنا. أتصور أن داخل كل انسان منا حديثا يدور، يتحدث فيه الانسان مع نفسه وحده.. إما أن يكون في صورة سؤال أو جواب.. أو حتي أماني أو احلام يقظة.. في صور يخلقها الانسان في نفسه يحقق فيها احلامه التي عجز عن تحقيقها في الواقع. ويختلف الحديث في شكله ومضمونه من شخص لآخر.. ولكن الشيء الوحيد المشترك بين جميع الناس هو شفافية وصدق هذه الأحاديث مهما حملت من أمور غير عقلانية أو حتي منافية للآداب أو بها الكثير أو القليل من الجنون ما يخجل منه الانسان، أو يخجل من أن يعرفه الآخرون عنه.. فدائما ما نحدث أنفسنا لكي نراجع أنفسنا في أمور معينة أو قرارات معينة.. أو حتي حينما نتدبر أمورا قبل الاقبال علي قرارات جديدة. الكل يكلم نفسه.. فالبعض ممكن أن يكلم نفسه بصوت مسموع والآخر في شكل صامت.. لا يسمع فيه الانسان غير نفسه فقط! وتترجم هذه الاحاديث في صورة ومضات وأحاسيس ومشاعر تخلق في داخلنا اليقين.. فتري نفسك في بعض الاحيان تستشعر وتتوقع أمورا علي وشك الحدوث.. ولن تتفاجأ بحدوثها.. فقد حدثتك نفسك فتيقن قلبك وتأكدت فتوقعت حدوثها منذ فترة. وهناك أمور داخلنا تتصارع لا نستطيع أن نحسمها فتخلق في نفوسنا الربكة والاضطراب ما ينعكس علي سلوكنا.. ولا شيء عجيب في ذلك.. فنفسك تصارع نفسك.. ولا تجد من يحسم هذا الصراع، وهنا يحاول الشخص طلب النصيحة من بعض المقربين.. قد يكون الأمر سهلا إذا كانت هذه الأمور من السهل الكشف عنها.. ولكن يظل الأمر متعلقا بك وحدك.. اتقبل نصيحة الآخر أو حكمه.. وبالتالي تتقبله نفسك لتحكم بين الفريقين داخلك أم يستمر الصراع؟ وهناك حالات كثيرة نعيشها داخل أنفسنا إذا كانت تتعلق بضرورة تقديم تضحيات أو خسائر تخرجنا من حالة الصراع وتهدأ النفس بالتالي، ويصبح الثمن الذي دفعته لهدوء نفسك مهما كان ليس غاليا.. فالهدوء النفسي ثمنه دائما ما يكون غاليا. هناك أنفس لا تهدأ أبدا فإما أن تتصارع مع نفسها أو مع من حولها.. فهي ألفت الصراع وعشقته.. وهذه طبيعتها.. لا تستطيع أن تعيش إلا في صراع ذاتي أو مع الآخرين. وهناك أشخاص قلما يتحدثون لأنفسهم من كثرة التناقضات التي يعيشونها.. فأصبحوا لا يخلون إلي أنفسهم ولا يستطيعون أن يواجهوها فماتت أنفسهم.. وضاعت ماهيتهم.. وأصبحوا يحتاجون لوقت طويل لاستعادة أنفسهم حتي تسمعهم وتتحدث اليهم. هناك أشخاص دائما ما يتحدثون لأنفسهم في صورة سؤال وجواب.. وليس معنا ذلك أنهم ليس لديهم ما يخجل داخل أنفسهم.. ولكن دائما ما يرفضونه حتي يستطيعوا أن يواجهوا أنفسهم في المرآة.. فكلما كنت صادقا مع نفسك استحببت صورتك في المرآة.. ويا سبحان الله فالرضا النفسي ينعكس علي وجهك فيصبح راضيا مطمئنا. أما رحلة الشقاء النفسي فتجدها تطارد أصحابها في يقظتهم ونومهم.. فيصابون بالأرق وقلة النوم.. أو في صورة كوابيس إذا استطاعوا النوم.. حتي تراهم وكأنما أضيف لأعمارهم أعمارا أخري.. ودائما ما تخلو وجوههم من ابتسامة الرضا. وإن كان حديث كل إنسان منا لنفسه، ظاهرة صحية لانه من المهم أن يرضي الإنسان نفسه أولا حتي يستطيع أن يواجه الآخرين.. فترتفع مع درجة رضائه لنفسه مناعته الإنسانية، فتصبح نفسه مطمئنة مؤمنة أيضا بقضاء الله وقدره. فماذا يفيد ان تغلب نفسك وتهزمها في معارك الحياة لترضي الآخرين ولا تندهش إذا هزمك الآخرون.. فأنت من هزمت نفسك أولا وجعلتها مُهانة رخيصة لا تستطيع أن تنظر إليها في المرآة.. أو تخلو بنفسك لتسعد بها أو تفخر بها.. بل أصبحتُ هاربا منها لا تستطيع مواجهتها.. مهزوما في حياتك القصيرة.