السؤال الذي يقابلني أينما ذهبت.. ونسأله جميعاً.. مصر رايحة علي فين؟! في بدايات الثورة كنت أجيب في ثقة.. مصر إلي الأمام.. المستقبل الرائع ينتظرنا.. كان الأمل يملأ صدري وقلبي ويفرش طريق الأيام بالأحلام والورود.. ومع توالي الأيام والشهور وتعاقب الأحداث بدأ الأمل يتناقص حتي وصلت ومعي الملايين إلي مرحلة من ضبابية الرؤية وعدم وضوح الهدف بل والتشاؤم- وهو أبعد ما يكون عن شخصيتي- ماذا حدث؟! لماذا تغيرت المعايير والأهداف بهذه السرعة. علي صعيد الواقع تم كثير مما تمنيناه.. فبعد التشكيك والقسم بأغلظ الإيمان أن الرئيس السابق لن يحاكم هو أو رموز نظامه حتي أن يوم مثوله للمحكمة لم ينم المصريون غير مصدقين بل مؤكدين انه لن يدخل القفص وسوف يحدث شئ ما ولكن هذا الشئ لم يحدث ورأينا الرئيس السابق خلف القضبان هو وكل رموز حكمه.. في مشهد تاريخي لم يحدث.. واعتقد أنه لن يحدث إلا في مصر التي دائما وأبدا تصنع التاريخ.. والمحاكمات تتوالي حتي بدأ الناس.. وأصوات معينة تظهر في كل وقت لتشكك في كل شئ لتقول أن المحاكمة تمثيلية.. ثم ظل الشغل الشاغل للناس هو شهادة المشير.. وماذا سوف يقول.. وبرغم أن الجلسة كانت سرية إلا أن انصار الرئيس السابق تعالت زغاريدهم كأنما عرفوا أو شهدوا ما حدث فبدأت الشائعات وكيف تحول المشير من شاهد اثبات إلي شاهد نفي رغم أن المشير لم يكن شاهد اثبات حتي يتحول لشاهد نفي.. وبدأ كل الناس يتهمون كل الناس.. الجميع فلول.. والجميع خونة.. ومن ليس معي فهو ضدي والمتابع لتويتر أو الفاس بوك لابد ان يصيبه الاكتئاب فلا جدوي من أي شئ ولا أمل في أحد.. خذ عندك.. الجيش لم يناصر الثورة بل التف حولها الإخوان المسلمون والسلفيون يحمون الداخلية من الثوار.. أسامة سرايا أصبح ثائرا وبلال فضل خائنا.. أيمن نور ليس من حقه اعلان حزبه ولكن الذي من حقه حسن راتب صاحب قناة المحور التي كانت فضيحة الثورة كان معارضا.. المطرب العلاني منعوا أغانيه لانها كانت محرضة.. الشاعر الذي لم يعرف له كرامة سوي أغنيتين أصبح بطلا كانوا يطلبونه بالاسم فيرفض لثوريته المتناهية.. الكل أصبح بطلا وعظيما وثائرا وضحية للنظام السابق.. حتي أكثر الجرائد تطرفا في سب وفضح رموز الماضي هي الجرائد القومية التي طالما سبحت بحمد النظام.. حالة غريبة من العبث اختلطت فيها الأوراق فلم نعد نعرف المزيف من الحقيقي.. حتي اني شككت ومثلي كثيرون في جدوي ما حدث.. فها هم أغبياء جدد بدأوا في تصدر الساحة ومع تفعيل الطوارئ واحتجاز عمرو الشوبكي وغلق مقاهي وسط البلد أحس أننا نسير في طريق ونفق مظلم.. الثورة تختطف من يريد اسلمتها أو أمركتها أو نسبتها إلي إيران أو حماس - لا فرق- تماما كما كان يفعل أنيس منصور عندما ينسب أعظم ما انتجته أيدي وقريحة المصريين- الأهرامات- إلي كائنات قادمة من الفضاء.. كأنما يستكثر علينا فخرنا بالتاريخ ويحولنا لشعب بلا مجد أو ماض.. هل تريدون هذا الآن.. هل تريدون تحويل ثورتنا إلي مؤامرة كانت معدة بين الأمريكان الخوارق الذين لا يحدث شئ في العالم إلا كان بتخطيطهم- رغم وكستهم وتبلدهم وذهولهم- وأسفنا- لما حدث في 11 سبتمبر.. أدرك تماما أن الشعب المصري أذكي من الذين صدعوا عقولنا بالتنظيرات والجلسات الحوارية في التليفزيونات وقاعات الفنادق الخمس نجوم حيث الكلام له مقابل مادي وشو اعلامي بحيث يترك كل منهم سيارته الفارهة في انتظاره ليتحدث عن الشعب بتوكيل لم يوكله به أحد.. أعلم أيضا أن الشعب المصري العظيم الذي خرج عن بكرة أبيه ليغير مصيره بيده ويذهل العالم في 81 يوما لن يخدعه أحد.. سوف تنتصر الثورة.. سوف تتحول مصر إلي دولة مدنية متحضرة وعظيمة لأنها مصر وكفي بها اسما وتاريخا وحضارة افعلوا ما شئتم.. اخلطوا الأوراق كما تريدون.. شككونا في كل شئ بداية من جدوي الثورة وصولا إلي بدلة المشير.. ولكن في النهاية النصر للشعب الذي لن يرضي أن تذهب دماء شهدائه هدرا.. لقد مضي هذا الزمن ولن يعود.. وإنا لمنتظرون. أجمل ما قرأت ما قاله عبدالحكيم عبدالناصر في حواره لجريدة الأخبار: علي الرئيس القادم ان يختار بين جنازة القرن ومحاكمة القرن.