التجديد ليس ثمرة فعل فردي كما يتصور البعض، لكنه فعل جماعي، آراء وعكسها، تفاعل واحتكاك واصطدام، ومن قلب الحركة العارمة يأتي التجديد؛ لذلك، حين أري الانزعاج من كل رأي يطرح، وإسراع بعض المؤسسات لإصدار تشريعات وقرارات لمنع رجال الأزهر أو غيرهم من الباحثين من الإفصاح عن آرائهم، أشعر أننا لا نتكلم عن التجديد بجدية. لو نظرنا إلي تاريخ الفقه الإسلامي لوجدنا أن بعض الآراء التي قال بها كبار المجتهدين جانبها الصواب، لكن أحداً لم يمحها من تاريخ الاجتهاد، أو يأمر بمنع أصحابها من إبداء الرأي. جاء في كتاب الفقه الجنائي في الإسلام، للمستشار عمر شريف - مثلاً - أن أبا حنيفة قال إن الزني إذا كان مقابل أجر فلا يقام علي طرفيه الحد، وبرر رأيه بأن الآية الكريمة تقول » فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً» فقال إن الأجر المذكور في الآية هو المهر، وقاس علي ذلك قياساً مغلوطاً، فاعتبر أن كل أجر مهر، ورتب علي ذلك أن الزني بأجر لا حد فيه. وقد رد عليه ابن حزم بعنف قائلاً »لقد أبحتم للفساق الحيلة». ورغم هذا لم ينتقص أحد من قدر أبي حنيفة، ولم تصدر السلطة أمراً بمنعه من الاجتهاد، لأن من اجتهد فأخطأ فله أجر طبقاً للحديث النبوي. ويجب ألا يدفعنا الرأي الفقي الصادم إلي المسارعة بمنعه، فربما ساد هذا الرأي مستقبلاً. يذكر تاريخ الفقه أن ابن تيمية وجد الناس في عصره يعتبرون الطلقة الواحدة طلقات ثلاثاً، وهذا يترتب عليه خراب البيوت، وتشريد الأطفال، فقال إن الحكم الشرعي الذي يطبقه المجتمع خطأ، لأن الآية الكريمة تقول »الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» وبناء علي فهمه للآية قال إن للرجل أن يطلق مرة ومرتين وبعد ذلك يمسك امرأته أو يطلقها الطلقة الثالثة والأخيرة. ولم يكتف بهذا، بل قال إن الطلاق لا يصح إذا كان الرجل غاضباً، أو كانت المرأة حائضاً، ولا يجوز أن تقع أكثر من طلقة واحدة في حيض واحد. كان هذا الرأي في وقته صادماً، وأثار ضجة، وقيل للسلطان إن ابن تيمية يثير فتنة بفتواه، فأمر بسجنه، لكن هذا الرأي الذي كان صادماً في وقته ساد بعد ذلك، ولايزال المسلمون يأخذون به للآن. خلاصة الأمر : يجب ألا ينزعج أحد من الاجتهادات الفقهية حتي لو أخطأت، لأن هناك من سيصوبها، ولا من الآراء التي تخالف ما هو سائد، فربما كانت هي التي ستسود مستقبلاً.