بيع مصانع الأسمنت الحكومية أسوأ نموزج لبرنامج الخصخصة هل نصفق للأحكام القضائية التي كشفت فساد عقود بيع شركات القطاع العام وقررت ابطالها واسترداد أموال الشعب وحقوقه في شركاته التي سرقت منه.. أم نضع أيدينا علي قلوبنا خوفا من هذه الاحكام نفسها لما تسببه من انقلاب هائل في توجهات الاقتصاد القومي وتصحيح لمسار يأتي بأثر رجعي بعيد يجعل التنفيذ مستحيلا فضلا عن ضياع ثقة المستثمرين في تعهدات الحكومة التي باعت وستجد نفسها مضطره بسبب الحكم لان تعود في بيعتها رغم مرور اكثر من 51 سنة علي البيع.. وأخيرا.. هل ستدفع الدولة تعويضات مرهقة اذا عاد المستثمرون المشترون حسنو النية للتحكيم الدولي ام سينجح النائب العام في اثبات وقائع الفساد التي شابت البيع ليجهض دعاوي التحكيم المرتقبة.. الناس حيرانة! حالة من الوجوم والصدمة ترتسم الآن علي وجوه المشترين في اكثر من 235 صفقة بيعت فيها شركات القطاع العام التي تخلصت الدولة منها وباعتها لمستثمرين محليين أو أجانب بزعم ان الدولة منتج سيء وان القطاع الخاص هو الاجدر بادارة هذه الوحدات لتحقيق مصالح اكبر لمصر.. والوجوم سببه أن محكمة القضاء الاداري اصدرت أحكاما صادمة ببطلان عقود البيع في أول 3 شركات طرحت أمام القضاء وهي شركات طنطا للكتان، وشبين الكوم للغزل والنسيج والنصر للمراجل البخارية مع أعادة اصولها وممتلكاتها مرة أخري الي الدولة. والغاء شروط التحكيم الواردة بعقود البيع حيث انه لا يجوز التصرف بالبيع أو الرهن او الايجار لهذه الشركات لكونها منفعة عامة حتي لو كان الغرض من البيع سداد ديون هذه الشركات والدولة.. والمسألة قد تكون سهلة التنفيذ لو ان البيع قد تم أمس ولكن المشكلة ان الصفقات تمت منذ سنوات بعيدة تصل الي 51 عاما واكثر تغيرت فيها الاوضاع علي الارض وتم الاستغناء عن عمالة بالآلاف حصلت علي حقوق معاش مبكر أصبح مشكوكا فيها. كما ان المسألة قد تهدف لو اقتصر الأمر علي هذه الشركات الثلاثة أو حتي علي شركات حديد التسليح التي صدرت أحكام القضاء الاداري ايضا قبل ايام بسحب تراخيص توسعات كبري قامت بتنفيذها علي الارض واصبحت علي وشك الانتاج ولكن الازمة ان هذا المصير بالبطلان نفسه يهدد أكثر من 09 شركة قطاع أعمال تم خصخصتها أقيمت بشأنها دعاوي قضائية امام القضاء الاداري وقرابة 150 شركة أخري يعتزم اصحاب المصلحة اقامة دعاوي لبطلان عقود بيعها. الاخطر ان هذه الاحكام كشفت عن فساد كبير في عمليات التقييم والبيع وأظهرت وكأن هناك مؤامرة علي اقتصاد مصر ورغبة جارفة للقضاء عليه والتخلص منه وتمليكه للغير سواء كانوا مستثمرين محليين أو أجانب بحيث تتخلي الدولة تماما عن دورها كمنتج وتترك الساحة علي الغارب للقطاع الخاص الذي ثبت أنه للأسف اكثر سوءا من الدولة. فالاسعار علي يديه تضاعفت عدة مرات وأرباحه تضاعفت مرات أكثر ودفع الشعب المصري كله الثمن.. وتحولت هذه الاحكام القضائية الي بلاغات الي النائب العام والاجهزة القضائية والرقابية لكي تباشر عملها في التحقق من فساد كبير حدث في مصر التي انفردت بظاهرة فريدة.. فجميع المستثمرين الاجانب تقريبا لم يحضروا الي مصر لبناء مصانع جديدة واضافة فرص عمل حقيقية وانما جاء لشراء مصانع قائمة بالفعل ولها حصة سوقية حاضرة وبها عمالة مدربة منتجة. فلم يحدث استثمار حقيقي وانما تم تحويل الادارة الي أجانب بحثوا جيدا عن مصالحهم ورأوا ان في الاستغناء عن العمالة القائمة مصالح اكبر فضغطوا عليها بزعم المعاش المبكر واقصوها عن العمل بمكافآت محدودة ثم انفردوا بالسوق لتحقيق اهدافهم. وهذا ما حدث في مصانع الاسمنت التي تعد المثال الصارخ لفساد برنامج الخصخصة حيث يباع الاسمنت باضعاف السعر الذي يجب ان يباع به! والسؤال الاول الآن: ما تأثير هذه الاحكام علي اجتذاب مزيد من الاستثمارات لمصر؟.. اما السؤال الثاني: هل هذه الاحكام بعد كل التغيرات التي وقعت علي الارض قابلة للتطبيق؟ وأخيرا يأتي السؤال الثالث هل يمتد الحكم الي الاشخاص الذين اداروا برنامج الخصخصة واحدثوا فيه هذا الكم من الفساد؟! الدكتور شوقي السيد استاذ القانون الجنائي يدافع عن المواقف القانونية للمستثمرين الذين اشتروا من الدولة اصولا يقومون بادارتها في ظل انظمة قانونية سليمة سمحت باتمام تلك البيوع.. ويقول اذا كان المسئولون عن ادارة هذه البيوع قد ثبت فسادهم فليحاكموا علي جرائمهم ولكن الطرف الثاني ليس له ذنب والا سيؤدي هذا الي فوضي عارمة. اما الدكتورة ماجدة قنديل مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية فتؤكد ان ابطال هذه العقود يعود بالاقتصاد المصري الي الخلف لاننا نعاقب انفسنا اليوم باخطاء الماضي بدلا من معاقبة المسئولين عن هذه الاخطاء. وتقول ان مصر تواجه اليوم مناخا استثماريا مليئا بالريبة التي قد تجعل المستثمر يفقد الثقة لانه كان يتعامل مع حكومة قائمة لها تعهداتها ولم تكن سلطة مؤقتة من الخطر الوثوق في توقيعاتها.. وبالتالي يجب حماية المراكز القانونية التي ترتبت علي هذه العقود مع امكانية اجراء مصالحة مع الدولة ومع العاملين حتي لا يضار احد من هذه التصرفات! ورغم امواج الاراء والافكار التي تتقاطر والمرشحة للزيادة تأييدا او رفضا باضطراد مع صدور مزيد من الاحكام فان المجتمع ينتظر استرداد حقه في ادوات انتاجه وينتظر قيام النائب العام بتحويل هذه الاحكام الي بلاغات يحاسب بمقتضاها المفسدون الذين سرقوا وسهلوا الاستيلاء علي أموال الشعب..