... لا تفرغوا المليونيات من معانيها وتقلوا قيمتها فيخبو ابهارها لفرط تكرارها مواجهة ضرورية مع النفس : الا من يقول لنا ان كان في الدنيا مجتمع يمكن أن يحتمل من يحطمون قاعات المحاكم، ويتطاولون بالفعل والقول علي اركان الدولة، علي قضاة وضباط من حراس المجتمع أو من حراس البلاد.. هل من شعب يحتمل الهمجية والبلطجة وإاتلاف الممتلكات العامة والفوضي المدمرة والتعدي علي هيبة الدولة ولو بأي أعذار أو اسباب ؟! فمن ذا الذي يستطيع ان يقف ويعارض بالفم المليان استعادة توازن المجتمع ولو بقوة الطواريء ان كان ضرورة حتمية لنعبر هذه المرحلة المتلاطمة حتي نصل الي بر الامان ويوضع الدستور وتتم الانتخابات بسلام... ألا يخطر علي بال أحد من المعترضين أن استمرار التدهور في الأمن قد يستدعي ما هو أقسي وأمر من قانون الطواريء ؟ هل خطر لهم ما عساه يكون ذلك الأقسي والأمر ؟ أليست الطواريء أخف وطأة من اعلان الاحكام العرفية ؟ ألا يقدرون أن تفاقم الاوضاع السيئة قد يطيح بكل تطلعاتنا الي ارساء ديموقراطية سليمة مثل خلق الله من سكان الشاطيء المقابل من البحر الابيض؟ ألا يحسبون يوما لاقدره الله علينا ولا سمح قد نجد فيه انفسنا وقد عدنا لمربع رقم واحد ؟ ألا من يجهل المربع رقم واحد ؟ انه العودة بأحوال البلاد الي ما كانت عليه بعد يوليو1952 .. كأن يدفعنا الانفلات والمزيد من تردي الاحوال الي حد أن نطلب الامن بأي ثمن ولو بحكم عسكري يمسك بالزمام، ونضيع جهود وتضحيات وآمال السنين .. نحن جموع الشعب الذين ما صدقنا الخلاص من حكم الفرد وتسلط الحزب الواحد قد نجد أنفسنا وقد عاد بنا الزمان الي الوراء لان كله الا الامن لدي المواطن.. مجتمع يسوده الانفلات والبلطجة والفوضي المدمرة لا يحتمل.. الامن مثل رغيف العيش خط أحمر، افتقادهما لا يحتمل . وبصراحة أكبر : يسبقان الحرية والديموقراطية وسائر الحقوق علي قائمة الاولويات.. فيا أيها المتباكون علي تفعيل قانون الطواريء لبضعة شهور أخري الي حين الانتقال لحكم مدني مستقر وسلطة متداولة.. هل في ضميركم شيء تضمرونه ؟ عملية اقتحام لوزارة الخارجية مثلا أو تثيرون فتنة بالمرة ؟ حكموا عقولكم يا معترضون ولنتقبل جميعنا حماية قانون الطواريء، ومؤقتا، حتي نطفو ولا نغرق في خضم هذا البحر المتلاطم حولنا والي حين وصولنا الي بر الامان.. عندها نبطل بالقطع قانون الطواريء وغيره من قوانين وأوضاع ورثناها منذ عقود فتكون رهن الالغاء أو التصحيح .. و(ملحوظة) أخيرة : وضع الضوابط وارد ولتوجد رقابة ومتابعة لما يجري في اقسام البوليس واستحملوا شوية كام شهر كمان . بين الثوار والهدامين هناك فارق ! زجل في رسالة قصيرة علي الموبايل :[خش سفارة وهد جدار، واعمل فيها من الاحرار.. زعق كسر خرب دمر، وقول انك صححت مسار.. عرفهم قيمة الهمجية، واحتل وزارة الداخلية .. واللي يقول لك اهدأ شوية، قول له يا خاين للثوار .. هستناك الجمعة الجاية مليونية لتثبيت المسمار .. آهو ندق ونخرب لنا شوية ونخسرهم كام مليار وتفرق ايه انت عن عم جيفارا وعمر المختار] مثل هذه الرسائل تجدها أشبه بمؤشر وترمومتر لمشاعر الناس وللرأي غير المزوق المنزه عن أغراض الدعاية والشعبية وركوب الموجة والذي منه ... ورغم أنه زجل من وزن الريشة لكنه مؤشر ويعبر عن الانتقاد الساخر لمظاهر الوطنية الجوفاء التي تعتري بعض البسطاء من نوعية لا تودي ولا تجيب غير الاساءة الي وجهنا مثل الدبة التي تود أن تفيد فتؤذي بغباوة... لا تفرغوا المليونيات من معانيها وتقلوا قيمتها فيخبوا بهارها لفرط تكرارها، مثل هذه الظواهر المبهرة لا تفتعل ولا تستنسخ فأهم معالمها روحها، اشعاعها الجماهيري التلقائي لا يخطئه الحس الانساني وقد بهر العالم وألهمه فلا تنتهكوا المليونيات بالتكرار.. افهموها! احتفاء بذكري انسان نبيل يوم 27 سبتمبر الجاري يمر عام كامل علي رحيل أحمد ماهر السيد وزير الخارجية الاسبق، وبهذه المناسبة يجتمع في النادي الدبلوماسي مساء ذلك اليوم أصدقاؤه ومحبوه مع أحبائه هدي زوجته وشقيقه السفير علي ماهر والأهل في احتفالية غير تقليديه بالنحو المحبب اليه ويرضيه فقد كان هو بذاته شخصية غير تقليدية يحب الحياة ويحتفي بها .. كان اجتماعيا بطبعه محبا للدعابة والتواجد مع الناس لذا أتوقع أن تكون الامسية اقرب الي تكريم للغائب الحاضر .. ساءلت بسمة حياته هدي لم لا تكون الحفاوة بيوم المولد لا بالرحيل فقالت وميراث ثقافة المصريين القدماء، كانوا يعزون الموت كثيرا .. انما ربما العام القادم نحتفل بيوم ميلاده الذي جاء في شهر الرحيل، ولد في 14 سبتمبر ورحل في 27 ... لكم يفتقده كل من عرفوا معدنه عن قرب، ولكم نتساءل هذه الأيام عما كان عساه يقول الآن لوشهد زلزال الثورة وعاش توابع الزلزال .. احمد ماهر كان متحرر الفكر ليبرالي النزعة متعدد الثقافات وقارئا بدرجة امتياز..نموذجا للرقي مع بساطة الروح والطبع .. كان مواطنا شريفا ونزيها لم تشبه شائبة رحمة الله عليه . يا وابور قوللي رايح علي فين.. ؟ دمعت عيناي وأقسم بالله بينما تابعت قراءة الرسالة التالية من عهد ما كان قبل عام 1947 وما دفعني الي اختيارها دفعني أن أنقلها اليكم مترجمة بمناسبة بادرة السلطة الفلسطينية التقدم في الايام المقبلة بطلب قبول دولة فلسطين عضوا بمنظمة الامم (مطلب تأخر طويلا ولكن لا بأس)... في الصفحة الاولي صورة قطار سكة حديد لا يشبه القطارات العدمانة التي نراها هذه الايام بل مثل قطارات زمان قوي التي نشاهدها في افلام الابيض واسود، تماما مثل قطار محمد عبد الوهاب في فيلم ممنوع الحب أو يحيا الحب ذاك الذي غني له " يا وابور قوللي رايح علي فين ".. تحت صورة القطار بالخط العريض ما يفيد أنه يتبع سكة حديد فلسطين.. ثم يصفه كالآتي: سريع ومريح وشامل لكل تسهيلات السفر الي كافة أنحاء فلسطين مع وصلات سكك حديدية مع مصر وسوريا وعبر جوردانيا (الاردن) و..مجهز بعربات حديثة للسفر والنوم وعربات أخري مخصصة لوجبات الطعام وصالونات ليلية ونهارية.. ثم سطر يقول : القطارات مخصصة للسياحة اللوكس ومعدة للخاصة.. السطر تحت الصورة يقول : هذا القطار يغادر حيفا متجها لمصر... ثم الفقرة الاخيرة تقول : خدمات يومية منتظمة الي ومن مصر والسودان غير طريق مباشر وسريع الي دمشق وبيروت وبعلبك وحلب والي عمان وبيترا.. وآخر سطر : خدمات عربة الطعام متواجدة علي جميع خطوط القطارات.. أما قاع الصفحة فتنتهي بجهة الاستعلام عن المواعيد والاسعار: اتصل بإدارة الخط بمحطة حيفا أو أي وكالة سياحية كبري. انتهت الصفحة... الرحلة الي الماضي هذه لابد وتدعو الي التساؤل : يا تري الزمن يسير بنا للامام ام الي الخلف.. يا ريت كان الي مثل ذاك الخلف.. آه يا زمن! الكلمة التي افتقدناها تقريبا توارت كلمة شكرا من حياتنا.. افتقدناها بعدما حلت محلها تلك الكلمة التي لا معني لها ولا احساس (قال ايه) يقول لك " ماشي "... كلمة بلهاء لا تعرف لها معني ولا اصلا ولا من أين حلت وعمت واستشرت بين الواطي والعالي وكأن الشكر أصبح وصمة ولونا من مهانة ولا يستحب الجهر بها في هذا الزمان.. حتي عندما تنفح بقشيشا سخيا لأي متعوس ادي لك خدمة بسيطة فلن تسمع منه غير تلك الكلمة الغبية " ماشي " ايه ماشي دي ؟ يعني ايه ماشي.. هل تبخرت كلمات الشكر البسيطة المشعة بالعرفان.. راحت عليها ؟ انمحت عبارات مثل ربنا يخليك ويزيدك أو يطرح البركة فيك وفي عيالك، أو التعبير الذي كان بنظرة عرفان خالصة من العين، أو شكر صامت ينضح علي الوجه، وكأن كل ذلك أصبح لا يليق... الخواجات في بلادهم لا يكفون عن الشكر طوال النهار وآناء الليل بل بين افراد العائلة الواحدة في البيت.. أي خدمة بسيطة يقال فيها ثانكس، مرسي، دانكشن. ونعم التربية... تعرفون أنا ما عدت أتهاون مع من يقول لي تلك الكلمة البلهاء ماشي، ابادر فورا وأسكع من يقولها برد مباشر : ايه ماشي دي يعني ايه ماشي تعرفش تقول شكرا!.. آخر طبعة من الجيل الجديد (لنج) يضن حتي بكلمة ماشي، فلا شكر من أي نوع وربما قد ربما يتكرم عليك بهزة رأس سريعة لا تعرف ان كانت تنم عن رضا أم استياء . ما الذي جري للتربية والذوق في بلادنا.. في الطريق للانقراض ؟!