من ذاكرة التاريخ قبل ثورة يوليو 1952، استدعي فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية، مرشد جماعة الإخوان المسلمين، وقال له: يا شيخ حسن إذا كنتم جماعة دينية، فاتركوا السياسة واعملوا بالدعوة، واذا كنتم جماعة سياسية، فاتركوا الدين واعملوا بالسياسة.. فمن أنتم؟.. وطلب البنا مهلة لإجابته. لم يجب البنا عن سؤال سراج الدين، لأنه يعلم جيداً أن الجماعة لو اشتغلت بالسياسة فقط، فلن يكون لها وجود، لأنها لا تمتلك برنامجاً ولا منهجاً، وإذا اشتغلت بالدين فقط، فسوف تفقد المصيدة التي تنصبها للبسطاء حتي يقعوا في شراكها. وظلت المناورة وتوظيف الدين للسياسة والسياسة للدين، حتي 25 يناير، التي أظهرت الوجه الحقيقي لهذه الجماعة: الدين في خدمة السياسة لاختطاف الوطن. رب ضارة نافعة، فكشف الغطاء عن النوايا الحقيقية للإخوان لم يظهر إلا في يناير، لأن الناس بأنفسهم كانوا شهوداً علي ما حدث، ورأوا بأعينهم وسمعوا بآذانهم، ولم يقل لهم أحد، وهذا يحدث لأول مرة منذ نشأتها عام 1927. في الأحداث الكبري استطاع الإخوان أن يزيفوا التاريخ، ويكذبوا علي الناس، ويظهروا في صورة الحمل الوديع، واختبأوا وراء زجاجات الزيت وأكياس السكر والأرز والبلح، التي كانوا يقدمونها للفقراء في رمضان، وروجوا لحكاية »دول ناس طيبين، ما نجربهم لما يحكموا». في حادث المنشية عام 1954، كذبوا علي الناس وزعموا أن جمال عبد الناصر هو الذي دبر التمثيلية، ثم اعترفوا بعد 25 يناير، بأنهم حاولوا بالفعل قتل ناصر، وأشادوا بالعملية وكشفوا تفاصيلها، وفعلوا ذلك وهم في الحكم والسلطة، وجعلوا جريمتهم مجالاً للفخر والمباهاة، أما قبل ذلك فكانوا ينكرون. الكذب.. الكذب.. الكذب، وبلغ ذروته في حكايات زينب الغزالي الوهمية عن تعذيبها في السجن، وان جمال عبدالناصر وعبد الحكيم عامر كانا يتلذذان علي تعذيبها وهما يشاهدانها من وراء ستار.. واتضح بعد ذلك أن كتابها المزعوم »أيام في حياتي» ليس من تأليفها ولم تعلم عنه شيئاً، وان الذي كتبه هو يوسف ندا. كانوا قبل 25 يناير يكذبون علي استحياء، ولكن حين تمكنوا فجروا، وأصبح الكذب سلوكاً عادياً بالليل والنهار، مثل معزولهم الذي زعم في خطاب علني أنه يعلم ماذا يدبر الخمسة ستة سبعة اثنين تلاتة في حارة مزنوقة، وغيرها من خطابات النهاية، التي أكدت اهتزاز الشخصية وضعف القوي العقلية. ماشي.. افعلوا ما شئتم واكذبوا ونافقوا.. ولكن ما علاقة كل ذلك بالدين، ولماذا يتم تتويجه بعباءة إسلامية؟ الفتن الكبري التي مرت بالدول الإسلامية، حدثت بسبب تغليف السلطة السياسية بشعارات دينية، وياويل من يعارض حاكم يستمد سلطته من السماء، فيقيم الظلم والبطش والقتل، زاعماً أنه ينفذ شريعة السماء، غير مدرك أنه منبوذ في الأرض والسماء، لأنه لا يقيم عدلاً، بسيفه الظالم الملوث بالدماء. لم تسلم الشعوب من الأذي، إلا بعد أن أبعدت حملة السيوف ومن يقطعون الرقاب باسم الأديان، فاتقت شرهم، وأقامت العدل الحقيقي، المستوحي من الشرائع الدينية الصحيحة، وليس من رأس سفاحي السلطة. المصريون استوعبوا الدرس، فلا أحد يمكن أن يزايد علي إيمانهم، ولا أن يصنفهم بين مؤمنين وكفار، ولم يسمحوا لمن يرفع السلاح ويقتل الأبرياء أن يكون له مكان بينهم.. وقال الشيخ الشعراوي »مصر التي قال عنها رسول الله صلي الله عليه وسلم، أهلها في رباط إلي يوم القيامة، من يقول عن مصر أنها أمة كافرة، إذن فمن هم المؤمنون؟ مصر التي صدرت علم الإسلام إلي الدنيا كلها، حتي إلي البلد الذي نزل فيه الإسلام».