العملُ الجامعي أساسُه جماعيةُ القرارِ، من خلال المجالسِ، بدءًا بمجالسِ الأقسامِ، ثم مجلسِ الكليةِ، انتهاءً بمجلسِ الجامعةِ، مرورًا بالعديدِ من اللجانِ التي تَدرسُ الموضوعاتِ الأكاديميةِ والإداريةِ قبل عرضِها علي مجالسِ الكليةِ والجامعةِ حتي تكون القراراتُ النهائيةُ مستوفاةَ الدراسةِ. لا توجدُ في علاقاتِ أعضاءِ هيئات التدريس برئيسِ مجلس القسمِ أو العميدِ أو رئيسِ الجامعةِ سلطةُ إفعل يا دكتور فلان وإلا، خاصةً وأن التخصصاتِ العلميةِ متعددةٌ وأن رئيسَ مجلسِ القسمِ ليس أقدمَ أستاذٍ في القسمِ، وأن العميدَ ليس أقدمَ أستاذٍ في الكليةِ، ولا رئيسَ الجامعةِ هو أقدمَ أستاذٍ في الجامعةِ. إضافةً إلي أن الوظائفَ الجامعيةَ مؤقتةٌ يعودُ بعدَها شاغلُها إلي مكانِه وترتيبِه في قسمِه العلمي. لكن بعضَ النفوسِ تجدُ في شغلِ منصبٍ كرئيسِ مجلسِ قسمِ وغيرِه فرصةً لممارسةِ المنظرةِ والمَريَسةِ. فهناك من يحاولون السطو علي رئاسةِ لجانٍ علميةٍ لمناقشةِ الرسائلِ أو الامتحاناتِ الشفهيةِ رغم أن القواعدَ تنصُ علي أن رئاسةَ تلك اللجانِ للأقدمِ في الأستاذيةِ احترامًا للمكانةِ العلميةِ في المقامِ الأولِ. أضِفْ الفظاظةَ في التعاملاتِ وتَصوُرَ المنصبِ المؤقتِ تسلُطًا علي الجميعِ. هذا المسلكُ الإداري والأكاديمي غير الصحي ناتج عن تركيبةٍ نفسيةٍ من ناحيةٍ، وهو من ناحيةٍ أخري مُكتسب لدي البعض نتيجةً للإعارةِ في دولٍ بعينِِها يَكُونُ تجديدُ العقودِ فيها بتنازلاتٍ كثيرةٍ، فيتصورون بعد عودتِهم أنهم سيُمارسون في جامعاتِهم ما تعرَضوا له. عديدون ممن شغلوا كراسي جامعية علي مستوياتٍ مختلفةٍ تحولوا بقدرةِ قادر من أصحابِ رأيي إلي »مُبرراتية» لما يُملي و»مُفبركاتية» أرقامٍ وإنجازاتٍ، هذا غيرُ تصورِ التفردِ في الألمعيةِ والفهمِ في كُلِّ أمور الكونِ؛ عشقُ الكرسي يظهرُ حقيقتَهم بالألوانِ الطبيعيةِ. ليس بغريبٍ أن تشغلَ أحلامَ هؤلاء خُيالاتُ كراسي فوق فوق فوق، وأن تتشتَت الجامعاتُ في وجودِهم وتتحولُ لساحاتِ صراعاتٍ ونزاعاتٍ وتشاحناتٍ. في الجامعاتِ، لا يُعطي الكرسي المؤقتُ وظيفةَ رئيس دكاترة يتخطي القواعدَ والأصولَ، يمنحُ ويمنعُ، يقربُ ويبعدُ، ويُقَوِمُ آداءَ وسيرةَ أساتذةٍ أقدم منه وفِي غير تخصصِه. هل تتقدمُ الجامعاتُ بمن يري نفسَه رئيس دكاترة يصنفُ أعضاء هيئة التدريس إلي معه وضدِه؟ الخللُ واضحٌ، والمراجعةُ غائبةٌ، ليتهم يفهمون.. اللهم لوجهك نكتب.