كان الإنسان المصري القديم في البداية يعتمد في غذائه علي الصيد والنباتات البرية والتي كانت تنمو بفعل الأمطار، وما كان ينمو علي جانبي نهر النيل بعد انحسار الفيضان وهي مساحة محدودة وعرف بفطنته أن مجرد إضافة الماء للتربة الجافة يساعد علي الإنبات، فتنمو النباتات التي يمكن الانتفاع بها. حفزته هذه المعرفة إلي إيجاد الوسيلة التي تمكنه من الانتفاع بمياه النهر المتاحة له في استزراع الأراضي الجافة تمكن المصري القديم من استخدام مياه النهر من خلال جريانه الطبيعي بوسيلة تمثلت في حفر قنوات جرت فيها المياه عند حدوث الفيضان ليصل إلي الأراضي الجافة فتمكنوا من زراعتها وكان ذلك بداية نشأة تكنولوجيا الري. كما توصلوا بالتدريج إلي أسلوب يزيد من الاستفادة بالمياه فأقاموا السدود الصغيرة أي تكنولوجيا تخزين المياه لاستخدامها في غير أوقات الفيضان. كما نجحوا في استخدام بحيرة قارون كخزان طبيعي في عصر إمنحبت الثالث (حوالي 1800 ق.م.) فكان يتم ملؤها أثناء الفيضان ثم يتم استخدام المياه بعد ذلك في أوقات الجفاف. كان لتكنولوجيا القنوات والسدود وهو النشاط الذي يطلق عليه في الوقت الحالي »الهندسة المائية Hydraulic Engineering» أثر كبير في زيادة مساحة الرقعة الزراعية في طول البلاد وعرضها. كما كان لها آثار أخري في صالح الإنسان حيث قللت من أخطار الفيضان إلي حد كبير الذي كان يغرق المستويات المنخفضة في المنازل والأراضي. حاول الفلاح المصري القديم الاستفادة من مياه النيل في غير أوقات الفيضان وألا يقتصر الاستفادة منها وقت ارتفاع منسوب المياه في النهر فقط، ففكروا في وسيلة للحصول علي المياه في وقت انخفاض منسوب النهر، كان هذا دافعاً لاختراع أحد أهم تكنولوجيات الري التي مازالت تستعمل إلي وقتنا الحالي وهي الشادوف الذي بواسطته يتم رفع المياه من المستوي المنخفض في النهر الي مستوي الارض الأعلي منه. والشادوف تكنولوجيا تعتمد علي تطبيق عدة معارف علمية هامة وهو عبارة عن عمود ضخم من الخشب مركب علي محور يسمح له بالحركة، في طرف منه يتم تركيب ثقل حجري وفي الطرف الاخر يتدلي منه حبل يحمل وعاء ( وصناعة الحبال هي تكنولوجيا سيتم تناولها لاحقا). وكان الفلاح يخفض الوعاء ليصل الي مستوي مياه النهر وعندما يمتلئ يتم رفعه بواسطة الضغط علي الثقل الحجري حتي يصل الي مستوي الارض ويصب الماء في حفرة تم حفرها ويتفرع منها شبكة من القنوات توزع المياه بدقة شديدة علي الاراضي المراد استزراعها. كل ما تقدم ذكره من المعلومات والآلات والأدوات والنظم بتفاصيله الدقيقة منقوش ومحفور ومرسوم علي الحجر وعلي جدران المعابد أو مكتوب علي ورق البردي وهو ما يعتبر المصدر الموثق الذي مكن العالم من التعرف علي براعة المصريين القدماء في ادارة المياه بواسطة التكنولوجيات المختلفة التي اخترعوها والتي مكنتهم من تنظيم توزيعها وحسن استخدامها طوال العام فزادت الرقعة الزراعية بدرجة كبيرة ونشأت وازدهرت تكنولوجيا الزراعة التي سيتم تناولها في مقال قادم.