مرت عشر سنوات علي أحداث سبتمبر التي لا يزال يلفها الغموض وراح ضحيتها آلاف الأمريكيين الأبرياء ولم يتم محاكمة عادلة لأي من المتهمين حتي الآن، وتسببت في حربين مدمرتين في أفغانستان والعراق قتلت حوالي 2 مليون مسلم و7 آلاف أمريكي وأوروبي وأهدرت مليارات الدولارات من ثورات العرب والمسلمين فضلاً عن 4 تريليونات دولار أمريكي في نفقات مباشرة وغير مباشرة وكانت سبباً للانهيارات المالية والاقتصادية في أمريكا وأوروبا والعالم رغم عدم الاعتراف بذلك من الساسة الأمريكيين. الكل خسر في تلك الحرب الدامية التي انتقلت إلي كافة أنحاء العالم من بالي في أندونيسيا إلي لندن ومدريد في أوربا إلي مندوبي رواد السلام في أفريقيا مروراً بباكستان والهند في آسيا إلي الدارالبيضاء والجزائر وتونس والسعودية في العالم العربي. تصور الصهاينة أنهم أكبر الرابحين في تلك الحرب العالمية علي الإسلام وعقيدته وحضارته باسم الحرب علي الإرهاب. ونجح العدو الصهيوني في خلط الأوراق بحيث تم وضع حركات المقاومة الفلسطينية والعربية علي قوائم الحركات الإرهابية. تأتي الذكري العاشرة لأحداث سبتمبر وسط أحداث عربية ثورية أعادت بوصلة العالم العربي إلي الاتجاه الصحيح، ففي الوقت الذي يتذكر فيه الأمريكيون ضحايا الأحداث ونتائجها علي الجيش والشعب والاقتصاد الأمريكي يعيش العرب ربيع الثورات العربية التي تنتقل من بلد إلي بلد، حيث لا تزال تونس ومصر وليبيا في مرحلة انتقالية نحو إرساء حياة ديمقراطية تعيد الاعتبار إلي الشعوب العربية وتجعل القرار السياسي والاقتصادي في يد الشعب وليس ملك حاكم طاغية رئيساً كان أم ملكاً أم أميراً. وقد انتقل تأثير الثورة من تلك البلاد إلي سوريا واليمن كمحطات استراتيجية هامة جداً في المنطقة العربية وخلال شهور ستنتصر الشعوب وتصبح المنطقة كلها علي أبواب مرحلة جديدة. الحرب علي الإرهاب خلال ال 15 سنة الماضية مرت بمحطات هامة كان أهمها: 1- قيادة أمريكية صريحة تحت عنوان "من ليس معنا فهو ضدنا" أدت إلي إرهاب الدول جميعاً في المنطقة العربية وأوربا والعالم أجمع للانضواء خلف اللواء الأمريكي وحشدت خلفه جيوشاً وعتاداً لتدمير بلدين والاستيلاء علي ثروات مناطق شاسعة من العالم خاصة، بترول بحر قزوين وبترول العراق ، ووضع أكبر احتياطي نفطي عالمي تحت وصايتها المسلحة ورعاية قواعدها العسكرية في الخليج العربي. 2- ازدياد وتيرة العنف في العالم كله كذريعة لاستمرار الحروب المدمرّة واستنزاف الثروات العالمية. 3- توريط أوربا وحلف الناتو تحت الضغط الأمريكي في تلك الحروب ووضعها في بؤرة الاستهداف للعنف العشوائي ضد المدنيين وعدم تعويضها من كعكة إعادة الإعمار أو حتي سياسياً، ويكفي إهانة رامسفيلد لأوربا بقوله: "إن أوربا القديمة ما زالت تسيطر علي عقول الساسة الأوروبيين" ويكفي الإشارة إلي "توني بلير" كأنه كلب بوش المدلل في الإعلام البريطاني للتدليل علي حجم الإهانة التي ألحقتها الإدارات الأمريكية منذ كلينتون وبوش الابن بأوربا كلها وإلغاء أي دور قيادي لأوروبا. 4- ازدياد وطأة الحكام الديكتاتوريين في المنطقة العربية والإسلامية لتنفيذ سياسات الحرب ضد الإرهاب التي شملت الاعتقال دون سند من القانون، والتعذيب البشع لحساب الغير خاصة وكالة الاستخبارات الأمريكية، وإلغاء أي إصلاحات ديمقراطية أو سياسية، والسير في ركاب السياسات الصهيونية. 5- الاستثمار الصهيوني الكبير لتلك الحقبة الإرهابية، وحصار الشعب الفلسطيني وقتل زعيمه "عرفات" ومطاردة حركات المقاومة البطولية، وحصار وتجويع قطاع غزة، وشن حربين مدمرتين ضد جنوب لبنان وقطاع غزة. انقلب السحر علي الساحر! الآن ومع الذكري العاشرة لأحداث سبتمبر انقلب السحر علي الساحر فها هي الثورات العربية أعادت الأمور إلي المسار الطبيعي. الشعوب العربية انتفضت وثارت ضد الديكتاتورية والقهر والطغيان والاستبداد والإفساد والفساد. أطاحت الشعوب حتي الآن بثلاثة من عتاة الديكتاتوريين الضالعين في الحرب ضد الإرهاب. مبارك الكنز الاستراتيجي الذي قاد العالم العربي لتدمير العراق وحصار غزة، وبن علي الذي حاول تجفيف ينابيع الإسلام نفسه في تونس الخضراء، والقذافي الذي موّل حركات التمرد والانفصال في السودان والصومال وأفريقيا وكان عميد الحكام الإرهابيين الذين مولوا حركات العنف في جميع أنحاء العالم. أوربا تريد التخلص من السيطرة الأمريكية وهيمنة اليمين المتطرف في الإدارات والأحزاب الأمريكية، وتريد الانتقام من الذين همشوها وأهملوها في إعادة إعمار العراق وورطوها في المستنقع الأفغاني وها هو ساركوزي وكاميرون يقودان أوربا والناتو في غياب القيادة الأمريكية في الحرب علي القذافي بذريعة حماية المدنيين ويريدون الاستئثار بالكعكة النفطية الليبية بعيداً عن أمريكا والصين وروسيا، وها هم أيضا يديرون الملف السوري الذي لا يحمل غنائم نفطية ولذلك لا نتوقع أي تدخل عسكري لتدمير سوريا كما تم تدمير ليبيا. الحكام العرب الباقون في سدة السلطة ارتبكت حساباتهم واختلت بوصلتهم خاصة مع انهيار منظومة الأمن الإقليمي التي رعتها أمريكا والعدو الصهيوني، ولابد أن يدرك الجيمع أن المصلحة العربية العليا تقتضي النظر بأهمية قصوي إلي آمال بقية شعوب العالم العربي والإسلامي إلي الحرية والعدالة الاجتماعية والحياة الكريمة وإقرار حق الشعوب في الديمقراطية السياسية وحكم أنفسهم بأنفسهم، وإجراء تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية تستثمر ثروات العرب في بلاد العرب والمسلمين لصالح شعوبها. العدو الصهيوني يعيش حالة من الذعر والقلق خاصة بعد اقتحام السفارة الصهيونية بالقاهرة، والتحول الخطير في العلاقة الاستراتيجية مع تركيا، وبروز محور جديد تفرضه الإرادة الشعبية التي تتشكل الآن وتتطور مع الوقت، وتصاعد دعوات المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية في أوروبا نفسها ضد المستوطنات، وحالة العزلة المتنامية للحكومة اليمنية المتطرفة، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية للفئات المحرومة داخل المجتمع الصهيوني نفسه. إذن نحن في تلك الذكري التي راح ضحيتها ملايين في أنحاء العالم بسبب السياسات الإرهابية التي غذت هجمات العنف في مختلف أنحاء العالم نترقب بزوغ فجر جديد من الأمن والسلام في العالم بعد تلك التحولات الهامة التي تعيشها الشعوب العربية والدماء الزكية للشهداء في مصر وتونس وليبيا وسوريا. يسألونك متي هو ؟ قل عسي أن يكون قريباً.