»يوم الدين» الفيلم المصري المشارك في المسابقة الرسمية والأوفر حظا لاقتناص جائزة، خاصة وقد أتي مدعوما بمشاركته في مسابقة »كان» ثم ترشيحه ليمثل مصر في التصفية الأولي لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، ثم جاءت جائزة مجلة »فارايتي» لأفضل موهبة عربية التي منحت ثاني أيام المهرجان لمخرجه أبو بكر شوقي لتزيده ثقلا وترشحه بالتأكيد لإحدي الجوائز المهمة بالمهرجان. الفيلم تأليف مخرجه المصري الأسترالي أبو بكر شوقي وشارك في انتاجه عدة جهات منها زوجة المخرج المصرية الأمريكية دينا إمام وعدة منح منها منحة من جامعة نيويورك وأخري من معهد ترايبكا وثالثة من مهرجان الجونة، والفيلم يلعب بطولته راضي جمال ( بشاي ) أحد نزلاء مستعمرة الجذام الذي تعافي من المرض ولكن بقيت آثاره علي وجهه وجسده أبقته من المنبوذين،في بداية الأحداث تموت زوجته في مستشفي الأمراض العقلية، في المقابر تودعها أمها التي لم تزرها في حياتها أبدا منذ أودعتها مستعمرة الجذام، ويتذكر بشاي يوم تركه أبوه طفلا علي باب المستعمرة فارا منه.. يقرر أن يبحث عنه، فيترك المستعمرة ويرحل علي عربة »كارو» يجرها حماره ( حربي )، يتبعه الطفل الأسمر ( أوباما) الذي يهرب من الملجأ مصرا أن يصحبه في رحلته إلي الصعيد بحثا عن الأهل، هكذا يغادر الثلاثة عالم المنبوذين، وعلي الطريق،يواجهون ببرائتهم الحياة القاسية، يسرق مالهما، ويموت الحمار أولا، ثم يمرض الصبي، يلجأ بشاي قليل الحيلة للتسول، فيهاجمه الشحاذ المحترف المسيطر علي المنطقة، معاق فقد ساقيه يفرض سطوته علي المكان، لكنه يتعاطف مع بشاي والصبي أوباما فيقرر أن يساعدهما، يأخذهما لأصدقائه المشردين بلا مأوي ولا أمل في حياة عادلة حتي يوم الدين، ويمنحهما مالا قليلا ليستكملان رحلة البحث،يواجهان معاناة مع الحياة القاسية والبشر الأشد قسوة، يصل الرفيقان إلي مسقط رأس بشاي، وبعد لقاء موجع مع الأب العجوز يقرر بشاي العودة للمستعمرة، مع المنبوذين ذلك أفضل.. رسم المخرج لوحة إنسانية شاعرية، كادراته أكثر من رائعة رغم تجول الكاميرا في مناطق عشوائية الطابع تزدحم بالقمامة ساعده مدير التصوير فريدريكو سيسكا، اللوحة زادها عمقا وتأثيرا اختياره لشخصيات حقيقية لتلعب بطولة الفيلم، راضي جمال نزيل المستعمرة الذي تعرف عليه أبو بكر شوقي أثناء تصوير فيلمه التسجيلي عن مستعمرة الجذام، والطفل الموهوب أحمد عبد الحفيظ، الاثنان ساهما بأدائهما الفطري وإحساسهما الرائع بإضفاء واقعية علي الأحداث، ويحسب ذلك أيضا للمخرج الذي تمكن من توجيه أبطاله غير المحترفين.. ساهم السيناريو الذي ضمنه شوقي قدرا من الفكاهة والمواقف الطريفة في تخفيف جرعة القسوة التي يفرضها موضوع الفيلم، لكن بقي الوجع والْخِزْي من الواقع مسيطرا عليك، وجاء الحوار مناسبا لشخصياته في معظم الأحوال إلا بعض المواقف التي تحول فيها لنبرة وعظ خطابية أو أسلوب تهكمي لا يناسب وعي شخصياته كالحديث عن البيروقراطية، أو تعريف بشاي لنفسه بأنا إنسان بلهجة خطابية تفصله عن طبيعته البسيطة، الموسيقي التصويرية رغم جمالها وتناغمها مع الأحداث إلا أنها طغت علي الحوار في بعض الاحوال فكانت الأعلي صوتا. »يوم الدين» فيلم عن واقع مخجل، وبكل أسف لا يشرفك خارج الحدود رغم كل إنسانيته، فكل ما ظهر بالفيلم يدين المجتمع المصري كله ويعريه تماما، فتبدو الحقيقة موجعة مؤلمة عن مجتمع يمارس القهر علي ناسه، ضعفائه منبوذين مهمشين ينتظرون العدل والرحمة ولا أمل لهم في حياة كريمة إلا »يوم الدين».