ما من شك أننا شعب يوصف دائما بالطيبة حتي في لحظات العنف نجد أنفسنا مدفوعين نحو جانب من النفس فيه خفقات من الطيبة والتعاطف مع الآخر ولكننا للأسف نري في الفترة الأخيرة حالة من العنف المتواصل في حياتنا يأخذ مجراه في أي شكل من التعامل بين الناس حيث نجد أن أي خلاف بين بعض الأسر أو الأشخاص العاديين يتحول في لحظة إلي عنف ناري مخلفا وراءه ضحايا ومصابين. لا أعتقد أن الفقر واختلال ميزان الأجور وفقدان العدالة الاجتماعية هم وحدهم أسباب هذه الحالة العنيفة التي نقرأ سطورها يوميا علي صفحات الجرائد. هناك شيء مهم نسيناه أصبح مجرد كلمة تقال في المناسبات فقط مثل »كل سنة وأنت طيب« ولربما حدثت مشاجرة بعد هذه التهنئة فيصير الطرفان علي نقيض ما بدآه. الطيبة ليست قولا فقط وإنما هي بناء صلب مثل الحضارة نزرعه في فؤاد وجوارح الأجيال وراء الأجيال فيكون مثل جهاز المناعة يستطيع أن يفرق بين العدو والصديق وهذا هو شعور المسلمين تجاه إخوانهم »أشداء علي الكفار رحماء بينهم« وأيضا تجاه أهل الكتاب من البر إليهم طالما لم يعتدوا علينا فنوصف جميعا بالطيبة. الطيبة ليست سذاجة أو »عبط« كما يزعم البعض أحيانا بالكلمة الخبيثة »رجلا أو امرأة علي نياته ونياتها« وإنما هي صرح قوي يستطيع أن ينفذ من بين خلايا الإنسان الشرير بكلمات صادقة فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. الطيبة تدعو الناس إلي العمل الصالح وليس إلي لا عمل فهذا من الجانب السلبي للطيبة بأن تقف محلك سر لا تقدم خيراً ولا شراً وإنما تترك أهل الشر يؤدون عملهم دون أن تردعهم أو توقفهم وتذكرهم ليعيدوا تقييم ما يفعلونه فربما يعودون عما هم فيه من شرور. الطيبة طريق محفوف بالمخاطر والأشواك والإنسان الطيب هو الذي يزرع بكلماته الصادقة شجرة طيبة أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء ويأخذ بيد أخيه ليدرأ عنه زراعة الشجرة الخبيثة أو اجتثاثها من الأرض حتي لا تنمو فتدمر الأخضر واليابس. الطيبة ليست سلوكا عفويا أو أداء بإحسان نحو الآخر فقط وإنما هي أيضا ثقافة تتوارثها الأجيال فتنمو في السلوك وتعبر عنه فنقلل مساحة العنف من حياتنا ونضع بدلا منه طريقا مفروشا بالآمال نحو مستقبل زاهر للأجيال. سمعت أخيراً خبراً طيبا بأننا انتوينا بصدق أن نعمر سيناء بعد رحلة طويلة من العزاء لأنفسنا التي طالبت منذ سنين طويلة بأن نزرع هذه البقعة المباركة. سيناء تحتاج إلي عمل طيب ولن يكون شاقا إذا أحببنا هذه الأرض الطيبة بصدق، فبقدر عطائنا الوجداني قبل المادي ستعطينا أضعاف ما سنقدمه لها، فالأشياء تحس مثلنا وتحترم وتقدر من يحبها فتحافظ علي نفسها من أجلنا. كلنا نعرف سورة يوسف »عليه السلام« وكيف عبر بمصر والمنطقة المحيطة بها من السنين العجاف وقوله للملك في الآية الكريمة »اجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظ عليم«. إنه عمل طيب يتسم بالأمانة والعلم ومواجهة من كان يريد أن يحتفظ لنفسه بالحنطة غير عابئ بالآخرين. إذن الطيبة رحلة تبدأ من النفس البشرية السوية تبدأ بالكلمة الطيبة فتأخذ سبيلها للعمل الصالح متخطين كل الصعاب حتي نصل في النهاية إلي نتيجة مرضية تسعد الجميع وتحقق لهم ما يتمنون من إقامة العدل والمساواة بين الناس. الطيبة تعني التقوي في كل مراحل العمل وإلا خرجت عن مسارها واحترقت فهل نحن صادقون ولسنا مجاملين عندما نخاطب بعضنا بعضا بكلمة كل سنة وأنت طيب؟! [email protected]