وقع التجارب الإنسانية علي النفوس البشرية يختلف من وجدان إلي آخر، فقد تشق المشاعر عميقًا في أخاديد نفس مرهفة يقظة، بينما لا تترك إلا بعض الأثر الواهن لدي نفس أخري، لا تتمتع بذات الدرجة من رهافة الحس. والمفكرون والأدباء هم أكثر الناس رهافة وإحساسًا، وأقدر المعبرين عن مشاعر التجارب الفذة وسبحات الأرواح الموغلة، ورحلة الحج هي إحدي التجارب الفريدة في حياة البشر، فكيف جاء وقعها علي نفوس من خاضها من الأدباء أو تأثر بها بعد أن غاص في معانيها من دون القيام بها فعليًا، وبعضهم وصف ملامح هذه الرحلة الروحية المذهلة في نصوص إبداعية أو كتابات مباشرة، البعض الآخر اكتفي بالطاقة الروحية التي ملأت جنبات نفسه، وأضاءت أركان كيانه، في السطور التالية يحدثنا عدد من المبدعين والنقاد عن رحلة حجهم وزيارتهم للمشاعر المقدسة، وكيف انعكست علي مرآة إبداعهم، ونمط أيامهم فيما بعد الرحلة. وفي البداية تقول الروائية والناقدة د. هالة البدري: تعد هذه الرحلة مصدرا للسكون الروحي، والهدوء النفسي، والسلام العقلي، أشعر وكأن القلب استكان أخيرًا بعدما كان متخبطا، فأنا بعد هذه الرحلة حصلت علي طاقة هائلة أثرت علي كتاباتي بالطبع، وبالمناسبة أريد أن أنصح واقترح علي من ذهب ونال كرامة هذه الرحلة الجميلة، بدلاً من تكرارها أن يساعد شابًا محتاجًا يدعمه ليتزوج، ويقيم بيتًا. في حين تقول الشاعرة د. شيرين العدوي: دائمًا ما تسيطر علي النزعة الصوفية فمشهد الصلاة في بيتي، أو الراهبة وهي تشعل شمعة في مدرستي طالما أثر عليّ، حتي أنني أطلق علي تلك الشعائر »الصلة» لأنها اللحظة السامية التي يتواصل فيها الفرد مع ربه فيحدثه الأول ويستمع إليه الباري، ولما كانت مجرد عبادة الصلاة تؤثر بي هكذا، فإذا أردت وصف أثر الحج أقول »إني خُطِفت.. وكأني ذهبت ولم أعد» فأنا أشبه الحج بالشخص الذي أردي قتيلًا، وذهب يحمل كفنه ويطلب العفو» فها هو ذا الحاج يذهب في ردائه الأبيض لله معترفًا بذنبه، متخلصًا من حمله، وقد طال أثر هذه الرحلة قلمي بدون أن أشعر فوجدتني في قصيدتي »قمع الحرير» أكتب عنها. أما الشاعرة والناقدة د.كاميليا عبد الفتاح فتقول: أن هذه الرحلة لا تؤثر علي الشكل الخارجي الظاهري، أو الشكل الروحاني التطهري، فحسب، فالتأثير يصل إلي مكنون الذات، ويتسرب الشعور الناتج من هذه الرحلة إلي داخلي حتي يخرج من قلمي، ولا أستطيع كبته، لم أعد أسيطر علي قلمي، وكنت كتبت عن هذه الرحلة بأنها تشبه الحشر، »هي بروفة ليوم العرض» فها نحن ذا قد بعثنا من القبور، الكل هنا فقراء، مجردون من الزينة والألقاب، فالدنيا هناك تتناهي وتأخذ شكلها وحجمها الطبيعي، حيث نشعر بضآلتنا البشرية، أما الروح فهي عملاقة محلقة في الفضاء. هذه التجربة التي تُحدث داخلك مقابلة بين الحياة والموت، طبيعي جدًا أن تحدث تأثيرًا في أدبك. وفي الختام يقول الشاعر الكبير أحمد سويلم: في روايتي »منتهي الحب» وجدت نفسي أناقش الوحدة الوطنية، والرحمة، والتسامح في الأديان السماوية المختلفة، وبين بعضها بعضًا، وأعتقد أن هذه المعايير تتجلي بوضوح في هذه التجربة الروحانية العظيمة.. الحج، فكل الناس في هذه اللحظة سواسية ليس هناك مسميات، لا فقراء، ولا أغنياء، ولا جنسيات مختلفة، فكل الفوارق تذوب والكل يتوحد في عبادة الله.