بشهادة نجيب: كيف حاولت أمريكا احتواء ثورة يوليو ولكن عبدالناصر استخدمها في الضغط علي الانجليز للجلاء كيف حاول الأمريكان إحتواء ثورة 32 يوليو منذ البداية؟ وكيف قاوم الرئيس اللواء محمد نجيب محالات الاختراق؟ وكيف قاموا باتصالات سرية مع جمال عبدالناصر من خلال البكباشي عبدالمنعم أمين والسفير الأمريكي جيفرسون كافري؟ ويكاد التاريخ يعيد نفسه ولكن بوجوه وأقنعة متغيرة.. والحقيقة تتكشف بعد 95 عاما من الثورة من خلال صفحات من شهادة اللواء محمد نجيب التي كتبها أول رئيس للجمهورية في مصر بعد تحديد إقامته في قصر المرج علي مدي سنوات وظل سجينا تحت الحراسة وممنوعا من الخروج والتنقل، وكان يعيش مع القطط ولا يسمح لأحد بزيارته..! ويروي نجيب كيف قام بتحذير جمال عبدالناصر من تلك الاتصالات مع كيرميت روزفلت عميل المخابرات المركزية الأمريكية وطلب منه التوقف عنها لانها قد تسيء إليه وتمثل خطرا علي الثورة.. وكتب اللواء نجيب في شهادته للتاريخ: كان الأمريكان منذ اللحظة الأولي لحركة الجيش »ثورة يوليو« يحاولون الاقتراب منها واكتساب ثقة رجالها، وكنت قد أبلغتهم في صباح 23 يوليو ان الحركة لا تستهدف التعرض للأجانب وذلك بواسطة علي صبري ضابط مخابرات سلاح الطيران في ذلك الوقت والذي كانت له صلة صداقة بالملحق الجوي الأمريكي »إيفانز«..! المرة الأولي التي رأيت فيها السفير الأمريكي جيفرسون كافري كانت علي مرسي اليخوت في قصر رأس التين عصر يوم 62 يوليو 25 عندما حضر لتوديع الملك فاروق- قبل رحيله- تلبية لرغبته وتبادلنا التحية دون حديث.. ومضت الأيام دون لقاء حتي لبيت دعوة عشاء في منزل البكباشي عبدالمنعم أمين- وهو منزل أنيق يطل علي النيل عند كوبري عباس في الجيزة، وكان حاضرا معنا السفير كافري وأربعة من رجال السفارة- علمت فيما بعد أن اثنين منهم من رجال المخابرات المركزية الأمريكية.. وكان معي جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وعبداللطيف البغدادي وزكريا محيي الدين ومحمد رياض قائد الحرس، وتكررت الدعوة مرة أخري في نفس المنزل بعد أسبوع واحد.. وكان جيفرسون كافري واضحا في حديثه وقال إن حكومته تخشي تسلل الشيوعية إلي مصر وتري ضرورة وجود أجهزة أمن قوية لحماية شعبها وعرض معاونة المخابرات المركزية لها في هذا الأمر، كما تحدث عن ضرورة ارتباط مصر بأحلاف العالم الحر.. وبنفس الأسلوب الصريح عارضت كافري قائلا: إن الشعب المصري بطبيعته لا يهتم بالشيوعية، وأنا لا أخشي من أي تسلل شيوعي إلي مصر كما أننا ضد أي استعمار أو قيد علي حريتنا من أي نوع.. ورفضت فكرة تعاون أجهزة الأمن المصرية مع المخابرات المركزية الأمريكية قائلا: إنني لا أريد تقييد حرية المواطنين وأن تقوية هذه الأجهزة يجعلها في آخر الأمر هي التي تحكم فعلا، وكفي ما عاناه المصريون من القلم السياسي بالداخلية- أيام الحكم الملكي- أما من حيث الأحلاف فلا حديث عنها قبل الجلاء الكامل غير المقيد بشروط، وتعمدت أن أصرح لوكالة اليونايتيدبريس ونحن علي وشك التفاوض مع الانجليز بأنني: أصر علي أن يكون الجلاء غير مشروط بشرط ما.. ونحن غير مستعدين لمناقشة أي منظمة للدفاع عن الشرق الاوسط سواء كانت حلفا أو ميثاقا أو تحت أي اسم تطلقه أمريكا عليها! وانقطعت بعد ذلك اتصالاتي واجتماعاتي الخاصة مع الأمريكان وإن كانت قد استمرت سرا مع عبدالناصر.. وعدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة، ولما علمت بذلك عارضت هذا الاتجاه بشدة ووجهت لهم النصح في ضرورة الابتعاد عن هذه الاتصالات السرية ولكن ذلك لم يمنع من استمرارها..! كنت نازلا من مكتبي في مجلس قيادة الثورة الساعة الحادية عشرة مساء ومررت علي جمال عبدالناصر فوجدت عنده كيرميت روزفلت - رجل المخابرات المركزية الأمريكية- الذي حضر العشاء معنا في منزل عبدالمنعم أمين فسألته عن سبب وجوده بعد ان توقفت عند باب الغرفة، فقال لي عبدالناصر: إنه كان يرغب في مقابلتك! وقد غضبت من هذا التسلل الأمريكي، وأجبت بجفاء: إنني أكره رجال المخابرات ولا أريد مقابلة ّهذا الرجل وإذا كان الامريكيون يريدون الاتصال بي فليقابلني السفير الأمريكي! وتركت كيرميت روزفلت في مكتب جمال واصطحبته معي وقلت له: إن وجود رجال المخابرات الأمريكية في مبني مجلس الثورة أمر خطير جدا وقلت له محذرا: إن الأمريكان يريدون تخريب الثورة والقضاء عليها واحتواءها لتسير في ركاب أمريكا.. وطلبت منه أن يقطع هذه الاتصالات، فوعدني بذلك، ولكنني علمت فيما بعد أن هذه الاتصالات لم تتوقف بل استمرت وزادت! لست أريد بذلك اطلاق الأحكام أو إثارة الشبهات ولكنني استنكرت أن يتم اتصال بين قيادات الثورة وعملاء في مخابرات دولة أجنبية! وكان الأمريكان في هذه الفترة يظهرون في صورة الدولة الكبري التي تريد مساعدتنا في التخلص من الاحتلال البريطاني، وكنت أنتهز أي مناسبة في مقابلة رسمية لكي أثير معهم ضرورة إقناع الانجليز بقبول مبدأ الجلاء.. وما أن استقر الرأي علي المفاوضة حتي قررت ان تتم في ظروف غير هادئة بالنسبة للقوات البريطانية.. وأمرت ببدء حرب العصابات من جديد- في منطقة القناة- بعد توقيع اتفاقية السودان وبدأت المفاوضات في مايو 3591 وتشكل وفد برئاستي وعضوية جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وعبداللطيف البغدادي وصلاح سالم ووزير الخارجية الدكتور محمد فوزي وقد راعيت في تشكيل الوفد أن يكون من العسكريين حيث اتفقنا علي تنظيم تفاصيل الجلاء فقط! وهكذا كانت شهادة الرئيس محمد نجيب، ولكن يبدو أن هدف جمال عبدالناصر كان الاستعانة بالأمريكان للضغط علي الانجليز في مفاوضات الجلاء حتي تخرج القوات البريطانية من قاعدة القناة، ولكنه لم يفصح عن ذلك لأحد واستمرت اتصالاته السرية مع كيرميت روزفلت- مبعوث المخابرات المركزية الأمريكية- ليكون حلقة الاتصال مع واشنطن وقد نجحت خطة عبدالناصر وتم الضغط الأمريكي علي بريطانيا لان الولاياتالمتحدة كانت تريد أن تحل محل نفوذها في المنطقة وتصورت أنها تمكنت من إحتواء ثورة يوليو في مصر.. وحدث ما حدث بعد ذلك! وكان عبدالناصر يدرك ما وراء النوايا الأمريكية وما تهدف إليه من إقامة حلف في المنطقة وأعلن عن رفضه لإقامة حلف بغداد ودخول مصر فيه.. ولذلك لم يوافق الأمريكان علي طلب عبدالناصر علي تسليح الجيش المصري بأسلحة أمريكية حديثة بعد وقوع اعتداءات عسكرية إسرائيلية علي مواقع مصرية علي الحدود- في الصابحة وفي رفح- ولذلك اتجه إلي موسكو وحصل علي صفقة الأسلحة التشيكية.. ولم تتمكن أمريكا من احتواء ثورة 32 يوليو! المساجين الهاربون في الساحل الأربعاء: توجهت إلي الساحل الشمالي لقضاء أيام إجازة علي شاطئ البحر بعد المجهود المتصل للعمل الصحفي علي مدي شهور بعد ثورة 52 يناير بتطوراتها المتلاحقة.. وعندما دخلت الشاليه في قرية الزهور وجدته مقلوبا رأسا علي عقب: وقفل النافذة مكسورا والفوضي تعم المكان بعد شهور الغياب في القاهرة، والدواليب مفتوحة والملابس مسروقة والأجهزة الكهربائية منهوبة.. ويبدو أن اللصوص الذين اقتحموا الشاليه تسللوا إلي القرية من شاطئ البحر المفتوح عبر الأرض الخلاء المجاورة في غفلة من الحراس وانتهزوا فرصة الشتاء.. وعندما أبلغت مدير القرية السياحية المسئول أبدي أسفه وأبلغني أنهم المساجين الخطرون الذين هربوا من ليمانات وادي النطرون خلال أحداث 52 يناير وانتهزوا فرصة اختفاء الأمن واتجهوا إلي قري الساحل الشمالي الخالية للاختباء بها حتي تهدأ الأمور واستبدلوا ملابس السجن بالملابس العادية التي عثروا عليها في الشاليهات القريبة من شاطئ البحر وهربوا بمحتوياتها من حيث جاءوا خلسة في الظلام.. إلي هذا الحد كانت الفوضي خلال أحداث اقتحام السجون وهروب نزلائها ومازال سبعة آلاف منهم مختفين ولم يتم العثور عليهم!