»إرحموا ميدان التحرير من المليونيات والاحتفاليات التي لا هدف لها حتي لا تستغل في إستعراض العضلات وإثارة الانقسامات ونشر الفوضي وحتي لا يفقد الميدان مصداقيته كرمز للثورة«! ميدان التحرير.. هذا المكان المقدس الذي بدأت منه أكبر ثورة في تاريخ العالم وأصبح رمزاً للحرية، ورمزاً يسعي إليه الناس من جميع أنحاء الدنيا، ليروا كيف اندلعت منه شرارة الحرب علي القهر والظلم والفساد، زاره أيضاً آلاف السائحين الأجانب والعرب.. كل ضيف تطأ قدمه أرض مصر يسأل: أين ميدان التحرير؟ ميدان التحرير الذي خضبت أرضه دماء الشهداء الطاهرة من الشباب الذين سقطوا وهم يهتفون بسقوط النظام الفاسد ورموزه اللصوص الذين سرقوا ثروات الوطن وخيراته. وفي الآونة الأخيرة أحزنني أن أجد هذا المكان المقدس، وهذه الأرض الطاهرة تطؤها أقدام غريبة عن الثورة، دخيلة عليها، من الذين لا يعرفون قيمة الميدان وقدسيته، جاءوا اليه ليس من أجل أهداف تخدم مصر، ولكن من أجل أهداف ومآرب تضر بمصر، وتهدد مستقبل مصر، وتعرض شعب مصر للخطر، لا يعرفون أن مصر تخسر المليارات يومياً نتيجة للمليونيات والاحتفاليات، تخسر في البورصة، وفي السياحة، وفي الاستثمارات، وفي الصادرات، أصبحت خزانة الدولة تئن من عدم وجود موارد تنفق منها علي استيراد الغذاء، وعلي التنمية والمرافق العامة والمشروعات الخدمية والتنموية. هل هم سعداء وهم يرون مصر التي ينظمون الاحتفاليات »في حبها«، وكل شيء فيها ينهار ويتدهور إلي الأسوأ، ألا يشعرون بإخوانهم من أفراد الشعب الذين أغلقت أبواب الرزق في وجوههم، وأصبحوا لا يجدون ما يسد جوعهم نتيجة لما يفعلونه، لقد تضاعفت أعداد العاطلين بسبب ضرب السياحة، وضرب الاستثمارات، الملايين تعطلت ولا تجد عملاً، هل هذا هو ما يسعون إليه، هل هذا هو هدف الثورة، إفقار الناس، وتعطيل مصالحهم، وإغلاق المحلات، والمتاجر والشركات والمصانع، إن كل هذه الأنشطة مرتبطة بالاستقرار والأمن، فمن أين يأتي الاستقرار والأمن في ظل المليونيات والاحتفاليات، إنها فرصة للبلطجية وأعداء الثورة، ليمارسوا نشاطهم الإجرامي، وفرصة أيضاً للمتطرفين من التيارات الدينية لكي يعيثوا في الميدان فساداً، ويستعرضوا عضلاتهم، ويروعوا الآمنين بذقونهم ولحاهم! إن عدم الاستقرار والانفلات الأمني الذي نعاني منه جميعاً، من أسبابه الأساسية ما يحدث في ميدان التحرير، لو هدأ ميدان التحرير فسوف يعود الاستقرار، ويعود الأمن والأمان، فإن هدوءه هو علامة علي أن الأوضاع في مصر عادت إلي طبيعتها، وأن الحياة تسير سيرها الطبيعي، وهذا سيشجع عودة السائحين، وعودة المستثمرين، وعودة البورصة إلي نشاطها واسترداد عافيتها، وعودة تحويلات المصريين في الخارج، وعودة الصادرات إلي غزوها لأسواق العالم.. إن هدوء ميدان التحرير باختصار شديد هو عودة مصر الحبيبة إلي أحضان شعبها، وعودة الشعب إلي أحضان حبيبته مصر.. وعودة مصر إلي مكانتها وهيبتها في العالم. فهل تضنون علي حبيبتكم مصر بالخير.. إذا كنتم تحبونها حقاً أعيدوا الهدوء إلي ميدان التحرير وعودوا إليه في الأمور الخطيرة التي تهدد مسار الثورة، وإلا فقد مصداقيته، وسمعته في العالم أجمع كرمز لأكبر ثورة في التاريخ المصري. ارحموا ميدان التحرير يرحمكم الله! إما زهد.. واما انطلاق! الثلاثاء: أعتاد أن يقضي السنة علي هواه يسهر ويسكر ويلعب الورق، يعيش كما لو لم يكن للدنيا نهاية ولم يكن فيها موت ولا شيخوخة ولا ضعف ولا حزن ولا شر ولا خير.. المسائل أمامه واحدة والأعمال لا تفريق فيها بين جائز وغير جائز.. حتي إذا جاء رمضان أصبح شخصاً آخر، يصلي ويصوم ويكف عن اللعب والسهر والسكر.. ويملأ رئتيه صلاحاً وتقوي كأنه يتزود لشهور الضلال! وهو ليس جاهلاً، أنه إنسان مثقف قارئ واع، قال يفسر فلسفته، لابد ان آخذ من الدنيا بنصيب، ان جمالها منطلق فالقيود تفسده، فإما ان أعيش في انطلاق كامل أو في قيد كامل، انني لا أطيق الوسط من الأمور، إما زهد، وإما إنطلاق، وإني لأجد في الحالين بغية ومتاعاً. وأني لاسأم الانطلاق أحياناً وأحب القيد، إن رمضان يعيد لي الاحساس بلذة الانطلاق. قلت: أو طامع أنت في الجنة؟ قال: وهل هناك من لا يطمع فيها! قلت: أو هذا هو السبيل إليها؟ قال: هذا ما يسره الله لي قلت: وأنت أليست لك إرادة؟ قال: أنك تحاسبني ولا يزال بيني وبين يوم الحساب أمد طويل! قلت: أو اثق أنت؟ قال: وإذا لم أكن واثقاً، فإن الله غفور رحيم. تمنيت ان أكون قادراً! الاربعاء: لا تكاد تمر أيام دون ان أتلقي خطاباً من طالب في الجامعات يرجو ان يوفق لعمل يقتات منه يساعده علي إتمام دراسته الجامعية ويكاد كل واحد يعرب عن ثقته أنني قادر علي إيجاد هذا العمل وأني لأتلقي هذه الخطابات وأنطوي علي شئ كثير من الآسي إذ لا استطيع ما يحسب أصحابها أني مستطيعه ومن المواطنين من يبثني نجواه وهمه، ومنهم المريض الذي لا يجد ثمن الدواء ومنهم من استعصي مرضه علي الاطباء، ومنهم من وقع في إشكال قضائي ويسألني الفتوي. ولكم تمنيت أن أكون قادراً علي تلبية هذه الطلبات جميعاً فليس أسعد ممن يوفق الي عون الآخرين وليس أرضي بالا ممن يستطيع مسح الدموع التي فجرت ينابيعها قسوة زمن أو مجتمع ولكنني لا استطيع الا ان أرفأ دمعة صغيرة أو كبيرة بكلمة عزاء أو تشجيع أو دفع الي العزم والإرادة الصارمة.. وما أضعف ما استطيع فإن من الأحزان والمصائب والكوارث ما لا ينفع فيه العزاء.. أتراه يقيت جائعاً أو يشفي مريضاً أو يرفع عن نفس مثقلة هموماً نسجتها عشرات الايام؟ وأني لأشعر بألم اللائمين الذين يحسبون أني قادر ولا أفعل وأغفر لهم سوء الظن وسوء المقال.. وأني لأ تقبل ما أتلقاه منهم أحياناً من تقريع لأنني لم أفعل أو لوم ثقيل لأنني أهمل، أتقبله بنفس تعرف قداسة الصلة بين الكاتب والقارئ وإن لم يعرف أحدهم الاخر. الانقطاع عن الحياة! الخميس: لو لم تقرأ الصحف أو تشاهد التليفزيون أو تسمع الاذاعة ثلاثة أيام أو أربعة ماذا يحدث؟ هل تشعر أنك خسرت كثيراً؟ أغلب الظن أنك ستشعر ببعض الراحة لأنك أعفيت من أنباء الأزمات الاقتصادية والاحتجاجات والاعتصامات وحوادث السطو المسلح من البلطجية والهاربين من السجون والخلافات بين الأحزاب والتيارات الدينية ومحاكمات الرئيس السابق ورموز الفساد ولكنك بعد ذلك ستشعر بالضيق لأنك لا تجد جديداً في الحياة ستشعر بالزهد في الطمأنينة والهدوء وستحس أنك في حاجة الي حجر يعكر الماء الصافي والي تيار يحرك ركوده. أن الهدوء قاتل كالضجة سواء بسواء والاستمرار علي حالة واحدة هو مصيبة المصائب، حتي ولو كانت هذه الحالة مريحة، حتي ولو كانت هي الحالة التي طالما رجوتها وتمنيتها فلابد من قلق يصيبك حتي تشعر بالطمأنينة التي تعقبه، لابد من خطر تتعرض له حتي تحس بالأمن والحياة الحقيقية ليست إلا عواطف متضاربة، ليست إلا خليطاً من إنفعالات، والركود علي انفعال واحد هو جمود والجمود قرين الموت. مراحل الحضارة جميعاً! الجمعة: إن حركة المرور في القاهرة أضحت مشكلة معقدة ويكاد المرور في الشوارع سواء لمن يسيرون علي أقدامهم أو يركبون سيارات يكون فنا كثير التعقيد بل مخاطرة غير مأمونة العواقب في كل الأحوال. ولست أنكر ان رجال المرور يبذلون جهداً قاسياً وهم علي دراية لا بأس بها وادب جم في معاملة الناس ولكن المشكلة مع ذلك أقوي من المعاملة الجميلة وطول البال وبذل الجهد الشاق إن عربة كارو بحمار كافية ان تربك الشارع ودراجة عليها شاب يمسك بيده طفلاً أو يحمل صينية أو سبت عيش كافية ان تكون سبباً مؤكداً لحادث مؤلم! أن الدراجات تسير علي هواها لا تتقيد بإشارات المرور ولا بنداءات رجاله وأصحابها يظنون أنفسهم فوق اللوائح والنظم وهم يمرقون بمهارة عجيبة ويتلوون بين السيارات شمالاً ويميناً وأحياناً يغنون وفي أحيان أخري يعنيهم أن يغيظوا أصحاب السيارات ورجال المرور! ونظرة الي أي شارع في القاهرة تعطيك فكرة عجيبة عن البلاد ففيه تجد مراحل الحضارة جميعاً حماراً وحصاناً وعربة كارو وعربة حنطور وسيارة من آخر طراز، واحد يسير متئدا والآخر يصخب ويلعن والثالث ينطلق كالسهم والمارة حياري لا يعرفون هل يسيرون أو يقفون وهم أيضاً لا ضابط لهم في تصرفهم تكون إشارة المرور مفتوحة للسيارات فيزاحمون السيارات والواجب ان يقفوا حتي تقفل الإشارة للسيارات. ولست أظن أن هناك مدينة في العالم في مثل سعة القاهرة تقع فيها حوادث المرور كما تقع في القاهرة فلابد من علاج سريع ولابد من علاج دائم طويل المدي، يضع نصب عينيه التقدم المنتظر للمدينة والاتساع وزيادة السكان.