الإعلان عن نقابة الفلاحين أثار احتمالات كبيرة للتداخل بينها وبين نقابة الزراعيين لأن النقابة تنظيم مؤسسي يضم أصحاب المهنة الواحدة ويشملهم بالرعاية وبالمحاسبة والعقاب أيضا. ومن أهم أسس إنشاء النقابات أنها تقوم علي تحصيل إشتراكات سنوية من أعضائها ويمثل ذلك السواد الأعظم من دخلها وكثيرا ما تقوم باستثماره في صناديق خاصة للحصول علي المزيد من الدخل. بالإضافة إلي ذلك فإن أصحاب مهنتها لا يحق لهم العمل دون أن يسجلوا كأعضاء بها ويحملون كارنيه العضوية وأن يلموا بميثاق شرف المهنة بما فيها العقاب والمحاسبة وكثيرا ما تعطي النقابة تصاريح خاصة للعمل لبعض المنتسبين إليها بمقابل مادي يدعم عمل النقابة. وفي المقابل فإن النقابة ملتزمة بتوفير العديد من الخدمات لأعضائها سواء الاجتماعية أو الصحية أو الترفيهية وعلي رأسها معاش النقابة والرعاية الصحية وتوفير النوادي الإجتماعية في مختلف المحافظات كما هو الحال في ضرورة وجود مقار لها أيضا في جميع المحافظات، وتوفيرها لفرص المصايف والدعم الاجتماعي والمقابر والندوات الثقافية والعلمية وغيرها. ومن أهم أسس إنشاء النقابات أن يكون لها جمعية عمومية تتكون من جميع أعضائها المسددين للإشتراكات السنوية وأن يتم إنتخاب النقيب وأعضاء مجلس إدارة النقابة إنتخابا حرا ومباشرا وبذلك تكتسب شرعيها القانونية والدستورية وتكون فاعلة في العمل العام. وبتطبيق كل ما سبق علي إعلان قيام نقابة الفلاحين نجد أن بندا واحدا لا ينطبق علي إنشائها فلا هناك جمعية عمومية ولا إشتراكات مالية ولا إنتخابات حرة ولا مقار بالمحافظات ولا تصاريح عمل بمهنة الفلاحة لأعضاء النقابة فقط دون سواهم ولا قدرة علي منع غير المشاركين من ممارسة المهنة وكذلك لا رعاية صحية أو اجتماعية أو قواعد لتوفير معاشات التقاعد أو رعاية صحية أو مقار بالمحافظات وبالتالي فلا مجال للقول بأن ذلك سوف يأتي لاحقا لأن الالتزام بتوفير متطلبات إنشاء النقابات يأتي سابقا لإعلان إنشائها. كان الأفضل من ذلك الإتجاه إلي إنشاء تجمعات وإتحادات مشتركة تكون لها قوة النقابات كما هو الحال في الغرف التجارية وكما هو قائم بالفعل من إتحاد منتجي القصب وإتحاد الفلاحين المنشئ في عام 1983 برعاية الدكتورة شاهنده مقلد وإتحاد مزارعي البساتين والزيوت والحبوب غيرها علي أن يجمعهم بعد ذلك إتحاد عام موحد ومشابهة لإتحاد الغرف التجارية. بخلاف ذلك فإن عمل نقابة الفلاحين فردي ولا يقوم علي سياسة موحدة وقرارات لمجلس النقابة ولكن يقوم نقيبها غير المنتخب من نحو 30 مليون فلاح ومزارع!!! بالحديث عن قناعاته دون الحديث عن نهج أو سياسة موحدة ومقرة من النقابة وجمعيتها العمومية وبالتالي فإن هذه النقابة الوليدة وغير الشرعية لن تكون مؤثرة أبدا في العمل العام وستبقي نقابة الزراعيين هي الممثل القانوني المؤسسي والمنظم للزراعة المصرية. البديل الآخر لكي يكون الفلاحون قوة مؤثرة - وهو الخيار الأفضل - كان الإتجاه إلي إنشاء حزب باسم حزب الفلاحين فالدستور الذي يقر نسبة 50٪ للعمال والفلاحين تمثيلا في المجالس النيابية لن يجد بُدا من الإعتراف بوجود نقابة للفلاحين لأنه لا ينطبق عليهم الكيانات الطبقية أو الدينية أو الطائفية وأسوة بما هو موجود في العالم من حزب العمال وأحزاب الخضر والبيئة والفلاحين وغيرهم. هذا الحزب المقترح يمكن أن يكون فاعلا في الدفاع عن حقوق الفلاحين الضائعة علي مدار الثلاثين عاما الماضية كما أنه يتلافي مخالفة قوانين النقابات من تصاريح ممارسة العمل والإشتراكات السنوية والإيقاف وغيرها لأنه تنظيم حزبي بعيدا عن حرية ممارسة العمل والزراعة ويستطيع أن يفرق بين صاحب الأرض غير المزارع وبين الفلاح الكادح المهدرة حقوقة، ومن يدري فإنه في ظل وجود 60٪ من تعداد الشعب المصري تنتمي إلي الريف مقابل 40٪ فقط للحضر فيمكن في المستقبل القريب أن يصل هذا الحزب إلي السلطة ويحفظ حقوق الفلاحين بشرعية وقانونية بعيدا عن سياسات عدم الممانعة وتطييب الخواطر المتبعة من السلطة بعد ثورة يناير لإرضاء الجميع ولو علي حساب إنشاء كيانات غير قانونية.