إنتاج الاسمدة ىزىد على استهلاكنا.. والفلاح ىشترى الطن أعلى من السعر العالمى! شقيق وزير سابق يتزعم مافيا الاحتكار وتعطيش السوق »لا جديد تحت الشمس« لم يتغير أي شيء.. بل زاد الأمر سوءاً.. تحولت الأزمة إلي مشكلة.. إلي صداع مزمن يضرب رؤوس المزارعين.. فرموز الفساد في النظام السابق سرقوا الأرض الزراعية.. نهبوها و»سقعوها« وتربحوا من تغيير نشاطها وهويتها!. ويبدو أنهم قبل إيداعهم »طرة لاند« قد تركوا وصية لأتباعهم بمواصلة مسلسل السلب والنهب لتخريب القطاع الزراعي والتلاعب بقوت الشعب.. وها هم الفلول ينفذون المهمة الشيطانية بكل همة.. يستحوذون علي الغذاء اللازم لما تبقي من الأرض المسروقة.. يسرقون 6.1 مليار جنيه تمثل دعم الدولة للأسمدة سنوياً ولأن الوزارة تهوي البقاء في المغارة منذ سنوات فإن الفلاح يفقد عقله في سوق أكثر جنوناً.. فهو يشتري طن السماد المنتج محلياً بأعلي من الأسعار العالمية! ولأن »الوليمة« مغرية.. وحمايتها من الذئاب بمجرد الكلام غير مجدية، فمن المتوقع استمرار موجة الغلاء للمنتجات الزراعية.. واستمرار دعم الحكومة للمتربحين وللفلاح الأجنبي علي حساب الفلاح المصري! فتعطيش السوق من الأسمدة ليس بالأمر الجديد.. حدث قبل ذلك وتحديداً عام 7002.. وقتها كان طن السماد يتراوح ما بين 007 008 جنيه.. وفجأة اختفي من السوق.. ثم بدأ وزير الزراعة الأسبق أمين أباظة يطبق المثل القائل »أول الرقص.. تنطيط« تحدث عن التكلفة العالية التي تتحملها الدولة بشأن دعم الأسمدة.. وزعم أن المزارعين يسرفون في استخدامها.. ثم أشار إلي ضرورة تحرير سوقها طالما تم تحرير قطاع الزراعة وأصبح الفلاح حراً فيما يزرع.. كل هذا كان مقدمات لتوجيه الضربة القاضية للزراعة والمزارعين.. المساس بالدعم.. نعم وهذا ما تم فعلاً.. حيث قرر الوزير وقتها رفع سعر الطن من 008 إلي 0051 جنيه مرة واحدة.. ورغم هذه القفزة المجنونة فلم يتمكن الفلاح من الحصول علي السماد بالسعر الجديد المرتفع.. لم يجده إلا في السوق السوداء وب0003 جنيه للطن!.. ولم يتراجع السعر عن الجنون إلا بعد انتهاء الموسم الصيفي للعام 7002. عموماً، قبل الخوض في تفاصيل الأزمة التي تحولت إلي مشكلة تعالوا نرصد المعاناة علي أرض الواقع، فماذا هناك؟ تغييب الأسمدة عن الأراضي الزراعية معاناة الجميع قبلي وبحري.. تشمل جميع محافظات مصر.. وكأن المنتفعين منها يرون أن »المساواة في الظلم عدل«.. المشكلة موجودة في القليوبية والغربية ودمياط والشرقية والمنوفية والبحيرة وكفر الشيخ.. ثم الفيوم وبني سويف وباقي محافظات الصعيد.. ولعل ما يشكو منه المزارع أحمد طه يوضح تباطؤ الدولة في الحل وتواطؤها مع المستفيدين من السوق الشيطانية.. فهو وزملاؤه يذهبون إلي الجمعية الزراعية لصرف مستحقات الحيازات لكنهم يعودون بخفي حنين بعد رفض المسئولين تسليمهم مستحقاتهم بزعم أن الشاحنات لم تصل من المصانع.. وهذه الشاحنات تصل بالفعل إلي الزمام الزراعي هناك، وتبتعد عن طريق الجمعيات الزراعية وتسلك طريق السوق السوداء.. تقف أمام محال القطاع الخاص لتسليم حمولتها للتجار »!«.. وقد رآها المزارع سليمان السعدني أكثر من مرة، لكنه فشل في كشفها لأنه لم يجد جهة رقابية واحدة تستجيب له! وعند تعامله مع السوق السوداء لشراء سماد هو أصلاً له حق مدعوم فيه، فوجئ المزارع فوزي عوض بهذه العبارة مدونة علي عبوة السماد »مخصص للبنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي«.. وهذه العبارة تذكرنا بعبارة كانت تدون زمان علي شاي التموين »محظور بيعه خارج بطاقة التموين«.. ورغم ذلك كان يباع خارج البطاقة! نحن الآن في مدينة السادات بمحافظة المنوفية.. داخل حقل المواطن حسين عبدالسلام.. يأخذ بأيدينا إلي زراعات البرتقال والخضراوات ويصرخ: »بذمتكم مش كده حرام؟.. اللصوص والمرتشون يتسببون في خراب بيوتنا وبيوت المستهلكين بسرقة السماد المدعم«.. ويشير بيديه.. كأن المزروعات تنتحر كرد فعل غاضب علي تجويعها.. وأمام مساحة الخضراوات التي يزرعها بوادي النطرون يتساءل محمد عطا الله: لمصلحة من نشتري طن السماد ب4 آلاف جنيه.. بضعف الثمن، في حين أنه يتم تصديره ب3 آلاف جنيه فقط؟.. الدعم لمن هنا.. للمزارع الذي يلقي أسوأ معاملة من الجمعيات الزراعية ولا يحصل منها علي شيكارة سماد واحدة، أم للسماسرة والتجار وفلول النظام السابق؟! ويواصل رصد معاناته: ما حدث لرغيف العيش يحدث الآن في الأسمدة.. السوق السوداء تستحوذ علي معظم الإنتاج ويتم تهدئة الناس وخداعهم ضمن تصريحات وهمية. انتظار قيمة الدعم للأسمدة 6.1 مليار جنيه سنوياً، وهو دعم يتسرب إلي المحظوظين من لصوص المال العام.. وإنتاجنا من الأسمدة سنوياً يصل إلي 71 مليون طن.. نستهلك 8 ملايين منها والباقي يتم تصديره للخارج.. أي أن استهلاكنا أقل من احتياجاتنا بمليون طن، ورغم ذلك تحدث الأزمات وتتفاقم.. وحدوثها كما يشير المهندس الزراعي محمد جمعة يتم اختياره عمداً في موسم ذروة الاستهلاك.. فالمعروف أن الزراعات الصيفية تستهلك أسمدة أكثر من الزراعات الشتوية. ويتطرق المهندس جمعة إلي تفاصيل الارتباك وتداعيات الأزمة موضحاً أن ظهور السوق السوداء بشراسة عام 7002 دفع وزارة الزراعة إلي إسناد التوزيع إلي بنك الائتمان والتنمية بنسبة أكبر من التعاونيات.. ثم استحواذ البنك علي كل الكمية لتوزيعها.. ولأن المشاكل لم تنته ومازالت الأسمدة تتسرب للسوق السوداء فقد تمت »قسمة البلد إلي نصفين« هذا الموسم.. البنك يتولي التوزيع في محافظات بحري.. ورغم ذلك لم يصل السماد المدعم إلي مستحقيه من المزارعين الكادحين.. وهناك موظفون بسطاء بفروع البنك والجمعيات الزراعية يعترفون بأن المسئولين يتفقون علي سعر الشحنات مع تجار القطاع الخاص قبل وصولها. احتكار قواعد اللعبة وإمكانيات التلاعب تجدها عند المصنع والوكيل.. بمعني؟.. بمعني أنهما المتحكمان الأساسيان في السوق.. وما سواهما يعتبر مجرد أتباع.. فالمصنع حر فيما ينتج من كميات.. ولأنه ضمن نتاج الخصخصة فلا سلطان للدولة عليه في خطة الإنتاج أو برنامج التسويق.. وبالنسبة للوكيل فهو متعاقد علي حصة يمكنه السيطرة علي توزيعها وقتما يشاء. وكما يشير المهندس الزراعي خالد سعد فإنه لم يتبق من مصانع الدولة إلا اثنين فقط من 9 مصانع، وقد تم بيع السبعة الأخري إلي مستثمرين مصريين وأجانب.. والخطأ هنا أشبه بالخطأ الذي حدث مع خصخصة الأسمنت والحديد.. فالمشتري ليس مقيداً بالسوق المحلية.. ويحصل علي الطاقة بأسعار مدعمة ليبيع المنتج بأعلي الأسعار.. المهم أن المصانع تفضل التصدير علي التسويق المحلي.. ولا ترضي بالتوزيع المحلي إلا إذا جاء سعر أعلي من التصدير.. وهذا ما يحدث الآن بالفعل.. فالتوزيع تهيمن عليه عصابة من عدة وكلاء أحدهم شقيق لوزير سابق.. حيث يتم الاتفاق الجماعي علي احتكار السوق من خلال التعطيش وبالتالي تحقيق الرقم القياسي في سعر البيع. هذا الاحتكار المستمر حتي الآن يأتي ضد مصداقية ما أكده الدكتور سعد نصار مستشار وزارة الزراعة بشأن السيطرة علي السوق، فقد أشار إلي توجه الوزارة مؤخراً إلي زيادة الإنتاج بالمصانع لمواجهة الزيادة في الطلب.. فالواقع يشهد بأن الاعتماد علي مصنعين فقط لزيادة الإنتاج أمر مشكوك فيه.. وحتي إذا حدثت الزيادة فهي لن تغير في الأمر شيئاً لأن لصوص الدعم يعرفون طريقها قبل غيرهم! هل يمكن للمسئولين الالتزام بالحفاظ علي حق المزارعين في السماد المدعم؟.. وهل نتوقع استجابتهم للصالح العام دون مصالحهم الشخصية؟ د. عدلي سعداوي الأستاذ بزراعة الفيوم يشير إلي أن أخلاقيات الحالة الثورية تجبرهم علي الالتزام، يضاف إلي ذلك أن الفصل بين الصالح العام والخاص أمر تحسمه الرقابة.. لكن هل الحكومة تريد الحسم وإنهاء مهزلة سرقة الدعم؟ إذا أرادت ففي يدها الرقابة من ناحية.. وإنشاء مصانع جديدة للأسمدة . وماذا بعد؟ التعاونيات وبنك التنمية يتبعان وزارة الزراعة.. يعني لا يمكنها إلقاء التهمة علي جهة أخري.. فالمطلوب مراقبة الأسواق وإعادة النظر في توزيع الحصص.