كتبت هذه السطور قبل أن يخبر الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء الجماعة الصحفية، ومجلس نقابة الصحفيين المصريين ظهر السبت الماضي بتجميد عمل الدكتور أحمد السمان المستشار الإعلامي لمجلس الوزراء.. ورأيت المضي في نشرها لأنها لا تتعلق بالشق الشخصي من ملف إبعاد الرجل، ولكنها تناقش الشق الموضوعي لطبيعة وظيفته ضمن منظومة إعلام الحكومة. ............... ظهر ثلاثة من الشباب مؤخراً علي ساحة الإعلام الرسمي. الأستاذ أسامة هيكل وزير الإعلام، والسفير محمد حجازي المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، والدكتور أحمد السمان المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء. وبصرف النظر عما يمكن أن يطرأ علي وضعية أحد هذه المناصب، أو تلك الأسماء، ورغم تفاوت تقديرنا لمستوي كفاياتهم وأداءاتهم، فإن تناول ظاهرة إعلام مجلس الوزراء بات يمثل احتياجاً تتوجب تلبيته .. أول الشباب وهو وزير الإعلام، كان طالباً بكلية العلوم، ولكنه أمضي وقته كله تقريباً في كلية الإعلام، حين وسوست إليه نداهة المهنة اللامعة الساحرة، فجاوب غوايتها، وصار من نجومها اللامعين كمحرر عسكري، وكرئيس تحرير لجريدة الوفد قلعة الليبرالية التاريخية العتيدة، والثاني وهو المتحدث باسم مجلس الوزراء كان طالباً بكلية الإعلام وخدم في عدد من المناصب المهمة بوزارة الخارجية، وأتاحت لي الظروف أن أراقب أداءه الهادئ المحترم، ودقته المتناهية عن كثب حين ترافق وجودنا معاً في لندن، فكان نائباً للسفير، وكنت مديراً لمكتب الأهرام، وقد أظهر كفاءة جعلتنا نتفهم حيثيات دعم وزير الخارجية عمرو موسي »وقتها« وتبنيه له، أما الثالث وهو المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء فهو خريج إعلام كذلك، وكان مديراً للأخبار في قناة ON-TV . وبصرف النظر عن القراءة النقدية لأداء هذا الكادر أو ذاك، فإنهم جميعاً ظهروا علي سطح المشهد العام في توقيت صعب لا يسمح لأحد بتبين جوانب التفوق أو القصور عند كل منهم، إلا إذا كان مهنياً خبيراً، أو كان يعرفه شخصياًَ، أو أتاحت له الظروف اختبار كفاءاته علي نحو مباشر. ولكن هذه المرافعة التي استفتحت بها سطوري شيء، وموضوع المقال شيء آخر تماماً.. إذ لا أتحدث هنا عن صفات حميدة أو انتقادات لدودة لأداء الوزير، أو المتحدث، أو المستشار، ولكنني أناقش تلك الازدواجية غير المنطقية، لا بل والضارة لملابسات عمل المواقع الثلاثة، ففي وسط الهوجة والهمروجة التي نعيش، والتعيينات، والإقالات والاستقالات، واختراع المناصب وإلغائها، وإطلاق مؤسسات وتفكيك أخري، لا ينتبه صناع القرار في بلدنا السعيد إلي وضع توصيفات عمل منضبطة ودقيقة لمناصب الصفين الثاني والثالث، بمقدار ما يهتمون بتسكين كادر هنا، وتعيين آخر هناك.. المهم هو »شخصانية« تلك العلاقة، لأن الهاجس الأساسي عند كل صانع قرار الآن هو إحاطة نفسه بمجموعة ممن يثق فيهم شخصياً، مع تكراري الاعتراف بخبرة وكفاءة اثنين من الكوادر الثلاثة. وهكذا يستمر المسئول الكبير في تحصين نفسه، وتدريع موقعه بمن يعرفهم شخصياً من دون توصيفات عمل دقيقة، ومكتوبة ومعلنة علي الرأي العام إعمالاً للشفافية، وبحيث تداخلت الاختصاصات، وتقاطعت علي نحو غير عملي، ربما تسبب في أخطاء كبري لا يلاحظها سوي المهنيين بخبراتهم وقدراتهم علي الفرز، والتفنيط، والقراءة النقدية. نحن في سياق سياسي وإداري يتسم بالسيولة، والأخطاء فيه قاتلة لأن جميع الأطراف في الشارع وفي أروقة الحكم تترصد الساقطة واللاقطة، والحساب فوري وعلني وشديد القسوة، وكثير من تلك الأخطاء في حالة المواقع الثلاثة التي أسطر عنها مقالي اليوم لا تجيء من سهو، أو عدم القدرة علي الإبداع في اللحظة، أو سوء استغلال الهامش الضيق جداً الذي تتيحه القيادات الأعلي، ولكن تلك الأخطاء تقع كنتيجة للتضاغط بين وظائف لم يحسن صانع القرار صوغ بنودها وعناصرها والتنسيق بينها، أو لم يجد في نفسه الرغبة لدمجها أو بعضها علي نحو يؤدي إلي تساوق الرسائل الموجهة إلي الرأي العام ودقتها. وأنا هنا أيضاً ألتمس الأعذار للجميع، وأقول إن طبيعة الظرف العام ربما تؤدي إلي ذلك الاهتزاز الشديد، ولكن الخطأ في إعلام الحكومة بألف، وعدم وضوح التوصيفات العملية لوظائف: الوزير والمتحدث والمستشار يخلق بيئة مثالية للخطأ، ويبتعد بإعلام الحكومة عن الاحترافية والمهنية.. ولأن كل واحد منا هو ابن لتجربته.. وجزء من تجربتي السياسية بريطاني بالطبع، فإنني أحيلكم في هذا الجزء من مرافعتي إلي نموذج إعلام رئيس الوزراء الأسبق توني بلير، ونموذج إعلام رئيس الوزراء الحالي دافيد كاميرون.. كان لدي بلير مستشاراً إعلامياً »أشهر من شغل ذلك المنصب هو أليستير كامبل«.. وكان لديه منسقاً لإعلامات الوزارات المختلفة »أشهر من شغل المركز هو الدكتور چاك كاننجهام«.. وهنالك عشرات من خبراء التلميع الذين يسمون spin-doctors ، ووظيفتهم تسويق السياسات والقرارات وشرحها للناس، وتقديم المسئولين التنفيذيين في صورة مقبولة ومقنعة، ثم هناك وظيفة رئيس هيئة الاتصالات الذي ينسق موضوعات الاتصال المرئية والمسموعة »وأشهر من شغل ذلك المنصب مع دافيد كاميرون هو آندي كولسون وهو رئيس تحرير سابق لجريدة نيوز أوف ذي ورلد«.. ولا يعنيني هنا مدي الكفاءة التي أدي بها كل من ذكرتهم وظيفته، والتي نتذكر في إطارها فضيحة الدوسيه »95 صفحة الذي أعده أليستير كامبل عن أسلحة الدمار الشامل العراقية وثبت أنه زائف ومختلق« أو فضيحة التنصت الأخيرة علي أهالي ضحايا أفغانستان، وضحايا تفجيرات 7/7 في لندن، التي كان بطلها كولسون باعتباره رئيس تحرير سابق للجريدة التي تورطت في الخطيئة المهنية. ولكن ما يعنيني هو التوصيف الدقيق جداً لعمل كل من مسئولي الإعلام السابق ذكرهم، والذي لا يسمح باختلاط الأنساب الإدارية والسياسية السائد في ساحة إعلام رئاسة مجلس الوزراء المصري. مرة أخري.. إلغاء أحد تلك المناصب، أو دمج اختصاصاته في آخر، لا يعني الإساءة لأي شخص، ولكنه يعني ترتيباً منطقياً لا يسمح بتشوش الأداء أو عشوائيته، إذ ليس من المقبول الإبقاء علي منصب معين لمجرد تسكين شخص بالذات فيه.. هذا تصور رخيص جداً، يتجاهل الضرورة المهنية، والمصلحة السياسية والوطنية! لقد اضطر الأستاذ أسامة هيكل مؤخراً إلي القيام ببعض مهام إعلام مجلس الوزراء حين أدرك وجود ثغرات في الأداء ينبغي ردمها، في حين المهمة الرئيسية لوزير الإعلام كما هو وارد في تكليفه كانت إعادة هيكلة الإعلام، أو بعبارة أصح تعديل وتفعيل المشاريع التي كانت جاهزة لتلك الهيكلة من جانب الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وبعض الهيئات الأجنبية.. فضلاً عن تدبير الموارد المالية اللازمة لتنفيذ بنود اللائحة الجديدة لأجور العاملين »سواء كانت لائحة أسامة هيكل أو لائحة طارق المهدي«، أي نعم.. وجود وزارة الإعلام »من الزاوية السياسية« هو محل نقاش عام، ولكن ضرورة وجودها إدارياً وإجرائياً وتمويلياً هو أمر حتمي، إلي أن تتم إعادة الهيكلة، ولكن مع ذلك اضطر وزير الإعلام إلي مزاولة بعض الأدوار السياسية، وبالذات في إعلام مجلس الوزراء لأن ارتباكاً حقيقياً ساد تلك البقعة.. والسفير محمد حجازي »هو كذلك حاصل علي دكتوراة في قضايا المياه« مع عدم إسرافه التعبير، واقتصاده الشديد في الكلام، حفاظاً علي احتشام ودقة الرسالة الإعلامية الحكومية، يجد نفسه أحياناً مطالباً بسد خروقات لم يسببها في الأداء الإعلامي لمجلس الوزراء. أكرر.. لماذا لا يتم دمج بعض وظائف إعلام الحكومة، وتحديد الاختصاصات بدقة، ووضع هيكل مكتوب فيه توصيف عمل Job-describtion لكل وظيفة، أو مكتب يضطلع بمهمة إعلامية في مجلس الوزراء. هذه مسألة حيوية وإذا كان الوقت لم يسعف رئيس الوزراء لصوغها، وإنما أسعفه فقط لتعيين تلو تعيين تلو تعيين.. فربما يكون من حُسن الفطن أن يوكل تلك المهمة: »توصيف وتحديد عمل المسئولين عن إعلام الحكومة« إلي الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء الذي تقع مسألة الإعلام برمتها ضمن اختصاصه الأصيل، ومسئوليته المباشرة عن الإصلاح والتطور الديمقراطي!