خرج الجميع خاسرين من مليونية »تفريق الشمل« يوم الجمعة الماضي، ولولا لطف الله، والقرار الشجاع الحصيف بخروج القوي السياسية والحركات والأحزاب غير الدينية من المليونية بعد الظهر لحدث ما نخشاه جميعاً. ولا أعتقد أن المشير طنطاوي سعيد بهذا الهتاف الركيك والرخيص، الذي تردد في المليونية: يا مشير يا مشير م النهارده انت الأمير. وليست مصر بلداً كافراً، لتقوم قيادات الجماعة الإسلامية والسلفيون والإخوان بجرجرة البسطاء الطيبين من القري والنجوع ليفعلوا ما فعلوه في الميدان، كأنهم خرجوا للجهاد والغزو. وإذا كانت الديمقراطية من بين أهم أهداف وأماني المصريين في الثورة، فإن انتصار الغوغائية والهمجية، بسبب ما فعله البسطاء يوم الجمعة، هو خصم من الديمقراطية، هو عدوان علي الدولة المدنية التي سبق أن توافق عليها الجميع، بمن في ذلك العقلاء مثل الشيخ يوسف القرضاوي ومحمد سليم العوا، وهما بالتأكيد ليسا كافرين! إن غرور القوة والصلف سبق أن قاد مبارك وسلفه السادات لهاوية، والغوغائية والهمجية اللتين ميزتا نظام حكمهما أطاحت بهما واحداً وراء الآخر. والحال أن الجميع خسروا هذه المرة، التي أتمني أن تكون الأخيرة، ونتفهم الدرس جيداً. لنتذكر أن ميدان التحرير وسائر ميادين مصر طوال أيام الثورة، وخصوصاً بعد اختفاء الشرطة وعدم تدخل الجيش، عاش أياماً مجيدة توافق عليها كل التيارات والاتجاهات باستثناء السلفيون الذين لم يخرج أغلبهم إلا بعد إسقاط مبارك، ولولا تمسك عدة ملايين بالديمقراطية و»اليد الواحدة«، التي هي النتيجة الطبيعية للديمقراطية، لفشلت الثورة. الديمقراطية هي بالتحديد تلك الممارسة التي تحققت أيام الثورة، ولم يحدث أن خرج الإخوان المسلمون الذين التحقوا بقطار الثورة بعد انطلاقه بعدة أيام عن الأهداف التي توافق عليها الجميع. لم يحدث أن استأثر تيار أو اتجاه ب»أجندته« الخاصة، ولم يطرح أحد شعاراً طائفياً، وصبت فتاة قبطية الماء علي يدي مسلم ليتوضأ، وحمي الأقباط إخوتهم أثناء الصلاة، ولم يحدث اعتداء واحد علي كنيسة علي الرغم من اختفاء الشرطة. هذه هي الديمقراطية التي خسرناها، وأخشي ما أخشاه أن يكون ما جري »بروفة« قبل أن نذهب إلي صناديق الانتخاب بعد أسابيع قليلة بروح القطيع ووهم القوة والجأر بالصراخ وهم يرفعون الأعلام السعودية »تخيل!« والرايات السوداء والهتاف باسم أسامة بن لادن! يكفي أنهم نسوا تماماً وتجاهلوا السبب الأساسي للاعتصام، وهو التضامن مع أهالي الشهداء وما جري لهم من اعتداء لقوات الأمن المركزي والعودة لاستخدام القنابل المسيلة للدموع أيام موقعة السنج والسيوف التي رفعها عسكري الأمن المركزي. فلم نسمع لهم صوتاً فيما يتعلق بالشهداء، ولحسوا الاتفاق بينهم وبين سائر القوي والحركات السياسية بحجة أنهم لم يوقعوا رسمياً»!!« وحسبما رأيت في الفضائيات، فإن العشرات من السلفيين أكدوا أنهم خرجوا من بيوتهم لنصرة الإسلام، ولم يخبرهم أحد أن هناك اتفاقاً حول أي شيء. والحال أن قيادات الجماعة الإسلامية والسلفيين والإخوان لعبوا بالنار، وكادت النار أن تحرق الجميع، وصوروا الأمر لمن يثقوا فيهم وكأنه دفاع عن الإسلام، بالضبط مثلما جري أثناء موعقة الاستفتاء علي التعديلات التي لعبوا فيها بورقة الدين كما هو معروف. لكن الاختبار الذي رسبنا فيه أخيراً أشد وأنكي، واستخدم فيه أسلوب »الحرب خدعة«... تخيل! أي أن قيادات التيار الإسلامي دفعوا أنصارهم لغزوة التحرير وكأنهم في طريقهم للحرب ضد اخوانهم من اليساريين والليبراليين والأقباط وشباب التيارات الإسلامية الذين شاركوا في الثورة منذ أيامها الأولي. ومع ذلك فيجب أن يعلم الجميع أن مصر للجميع: أقباط ومسلمون وسلفيون وليبراليون ويساريون وشباب الثورة وجميع الحركات والائتلافات هم أصحاب هذا البلد بلا إقصاء ولا تهميش ولا نيل من أي تيار. لنترك جانباً الآن الخطأ الفادح الذي كاد يقود شبابنا إلي كارثة المواجهة والاقتتال والعياذ بالله، نعم.. أكرر الاقتتال.. علي العقلاء ومن يدينون بالولاء للوطن والشهداء أن يعملوا معاً، من كل الاتجاهات والأطياف لنزع الفتيل. العلماني مثله مثل الإخواني مثل الليبرالي مثل السلفي مثل القبطي لا فضل لأحد علي آخر إلا بحب الوطن والولاء له والامتثال للتوافق حول أهداف الثورة. كل ما أحلم به وأدعو إليه أن يحترم كل اتجاه الآخر، ونترك جانباً أساليب الحرب خدعة وارفع راسك فوق انت مسلم.. بدلاً من مصري وفي مواجهة أن تكون مصرياً. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.