في الوقت الذي كانت مصر كلها فيه أمام شاشات التليفزيونات الكثيرة جدا رسمية وخاصة، محلية وعربية وأجنبية تتابع ويتفرج معها العالم العربي من المحيط الي الخليج - وقائع جمعة " لم الشمل" أو "توحيد الصف" التي تحولت الي جمعة البث التجريبي للدولة الدينية علي حد وصف بعض الصحف العربية كانت هناك حرب مصغرة يشنها مجموعة من الملثمين علي قسم ثاني مدينة العريش باستخدام مختلف الأنواع من الأسلحة. وقد حصرت النيابة العامة أمس الأول أكثر من 10 آلاف قذيفة فارغة، استخدمها المهاجمون الملثمون بينها قذائف يدوية ومدافع رشاشة "500 مللي" وقذائف كجرانوف" و"آر.بي.جي" وأسلحة أخري في المعارك التي استمرت 9 ساعات وانتهت باستشهاد ضابطين أحدهما من الشرطة والآخر من القوات المسلحة وثلاثة مدنيين واصابة العشرات من أبناء العريش . وعلي رغم ما تردد عن أن المهاجمين الملثمين كانوا يرتدون زيا أسود اللون ويرفعون راية سوداء كتب عليها "لا إله إلا الله محمد رسول الله " فان أحدا لا يمكنه الجزم بجنسية هؤلاء ولا أهدافهم الحقيقية . لكن الأمر الواضح أن ما قاموا به - استغلالا لحالة اللهو السياسي والانشغال في متابعة مظاهرات الميادين علي اختلاف شعاراتها استهدف تأكيد ضياع هيبة الدولة المصرية وأن الأمر تحول الي استباحة لبلدنا يفعل فيها كل من يريد ما يريد رافعا شعار : "لا توجد حكومة .. أنا الحكومة " ايذانا باسقاط الدولة المصرية الغائبة أجهزتها الأمنية رغما عنها عن مجرد الوجود في أهم ميادين عاصمتها وهو ميدان التحرير الذي تحول في غيبة كل أجهزة الأمن الي المأوي النموذجي الأكثر أمنا وأمانا للخارجين عن القانون والملاحقين أمنيا الذين يندسون وسط المعتصمين . واستمرت الشعارات ترفع في ميدان التحرير والميادين الشقيقة من جانب السلفيين والجماعات الاسلامية وجماعة الاخوان المسلمين دون أن ينبههم أحد الي ما يجري في العريش وضرورة الاتفاق علي رفع أي شعار للدفاع عن مصر وأمن مصر . وهو الأمر الذي غاب عن الجماعات والأحزاب الأخري التي انسحبت من المظاهرات رفضا للشعارات الدينية دون أن تتفق علي رفع شعار مصر أولا وثانيا وآخرا . بل ان النجوم المتكررة في برامج التوك شو الليلية "اللعينة " - التي لا تتباري سوي في الاثارة باستضافة نفس الوجوه والشخصيات - لم تقترب مطلقا من تلك الحرب المصغرة وما يمكن أن تؤدي اليه وانشغل الجميع في الحديث عن مليونية لم الشمل التي حققت بنجاح منقطع هدف هدم الشمل . وكم تمنيت لو فتح أحدهم قضية قرار الاتحاد الأوروبي بوقف استيراد مجموعة كبيرة من المنتجات الزراعية من مصر بسبب ما تردد عن وجود ميكروب الايكولاي فيها وما سوف يؤدي اليه هذا القرار من خسارة. لا يعجبني : التسرع الشديد في اصدار قرارات دون روية من دون بحث متعمق ودراسة للآثار التي قد تنتج عنها .ومثل ذلك تلك القرارات التي تتعلق بتطبيق قانون الغدر "الاستثنائي" الذي تم تطبيقه بعد ثورة 23 يوليو بشكل لا ديمقراطي استهدف ابعاد كل السياسيين بحجة أنهم أفسدوا الحياة السياسية في مصر فأصبحت مصر مغنما للهواة . وكانت النتيجة أن عاشت مصر معاناة استمرت نحو 59 سنة في حكم عسكري ديكتاتوري شمولي أعادنا الي الخلف . واليوم ونحن ندعو الي العدل والحرية نعود لتطبيق قانون استثنائي يستهدف نفس المعني بحجة التطهير أيضا بكثير من التسرع . انني فقط أحب التذكير بأن السبب الرئيسي في العنف والاضطرابات المستمرة حتي اللحظة في العراق هو الخطيئة الكبري للادارة الأمريكية "الحمقاء" التي قامت بحل حزب البعث وتشريد أعضائه وحل الشرطة وحل الجيش في العراق.. واذا كانت الفلول جمع فال هي بقايا الجيش المهزوم وفلول الشيء هي البقايا القليلة الناتجة عنه مثل برادة الحديد أو شرر النار فان ما جري في العراق وهو ما يسعي اليه البعض في مصر حاليا ليس صناعة فلول قليلة وانما هو صناعة جيش كامل من المنهزمين الذين سيشعرون - رغما عنهم - بأنهم يعاقبون بجريمة غيرهم فيصبح افشال الذين يعاقبونهم هو الهدف الأسمي لهم . يعجبني : ثقافة الحياة لدي أبناء الشعب المصري . فعلي رغم الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد والتي تركز عليها كل وسائل الاعلام مكتوبة ومسموعة ومرئية فان كل دور المناسبات في مختلف أنحاء مصر سواء الملحقة بالمساجد أو التابعة للشرطة أو الجيش كانت محجوزة طوال الشهرين الماضيين لحفلات عقد قران عشرات المئات من أبناء مصر . كما حجزت كل قاعات اقامة حفلات الزفاف علي اختلاف مستوياتها في الفنادق والأندية ودور المناسبات العسكرية وغيرها .. وشهدت كل مصايف مصر زحاما غير عادي في الاسكندرية ومرسي مطروح والساحل الشمالي والغردقة والعين السخنة ورأس البر وجمصة وبلطيم والزحام ذاته في كل الأندية الاجتماعية والرياضية ومراكز الشباب وغيرها . وامتلأت الأسواق بالملايين الذين ذهبوا للتسوق استعدادا لاستقبال شهر رمضان المعظم الذي يبدأ اليوم . والغريب أنني لم ألمح محطة تليفزيونية واحدة مهتمة بأن تنقل لنا هذه الصور أو تصنع برامج لها تعكس ثقافة الحياة في مصر وكأنهم جميعا أدمنوا تركيز كاميراتهم فقط علي ميدان التحرير والميادين الشقيقة . اللهم احفظ مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان .