توقفت طويلاً امام هذا الحديث الشريف لنبينا محمد صلي الله عليه وسلم، منذ قراءتي الأولي له، وظل عالقاً بخاطري اردده في صمتي: »لكل غادر لواء، يقام له بقدر غدرته يوم القيامه«. وأحسب أن ما ينطوي عليه الحديث من معني يمكن أن يسافر في الازمان ويطوي الأرض بحثا عن قوم يغدرون ببعضهم البعض، ويكون الغدر هو شيمة الأوباش الذين عندما يتمكنون يثخنون في الأرض، ويعيثون فيها فساداً ولا يألون جهداً في البطش بالضعفاء ولا يرقبون في آدمي إلاً ولا ذمة. وكلما طغي أحد عليّ وجار، أعاود ترديدي لتلك الكلمات الخالدات، وأضيف لعله ايضاً في الدنيا سيقام له اللواء، وسيقتص الله منه قبل لواء الغدرة الذي سيقام له يوم القيامة، أما ما يجعلني أشد طلباً لتحقيق هذا اللواء في الحياة الدنيا، ما رأيناه وماذقناه من ويل أليم في دنيا الاستبداد والقهر والبطش من أناس مكن الله لهم في الارض وأتاهم من كل شيء سببا فأتبعوا ذلك عملاً غير صالح وتوجهوا إلي الذين جاءوا بهم وبأسرهم، فساموهم سوء العذاب، انها الحقيقة المرة التي من أجلها في كل مرة ينتفض الشعب المغلوب علي أمره ويثور ولا أحد من الطغاة يتعلم من دروس الماضي، فيتم اعادة استنساخ الجبابرة بنفس المنطق وذات الطريقة، شعوب تتطلع الي الحياة، تثق وتوكل عنها رجلاً منهم، فإذا به يقلب لهم جميعاً ظهر المحبة وينقلب علي كل شيء حوله ويحيط نفسه بسياج من الذين مردوا علي النفاق حتي يعزلوه عن الناس ويوصلوه إلي نفس المصير، مصير الطغاة جميعا، من ازهقوا الارواح البريئة ونهبوا ثروات الشعوب، وتركوهم يغوصون في أتون الفقر والجهل والمرض، هي صورة متكررة، والنموذج الامثل لها وقع في مصر، وعلي مراحل، آخرها ما تقوم به الآن عصابات النظام الذي تهاوي ولا يريد اصحابه والمرتزقة معهم أن يسلموا بذلك حتي هذه اللحظة، إنهم يحلمون بالعودة، وإدخال الثورة إلي نفق مظلم من الصراعات حتي يقضوا عليها من داخلها، انها الأوراق الاخيرة لديهم وقد لا يعدمون إيجاد وسائل اشد فتكاً يضادون الثورة بها ويوقفون زحفها تجاه المستقبل. وقد يتصور البعض أن العناصر الموجودة الآن داخل السجون من رموز النظام قد يئست من الفكاك والإفلات من عقاب الشعب، لأن القوانين مليئة بالثغرات وأن كثيراً منهم استطاع قبل ان يتم القبض عليه ان يسوي أموره ويمحو آثار جرائمه بفعل شياطينهم الذين لا يزالون في مواقعهم ، وكأن ثورة لم تقم وكأن شعباً لم يسأم من الظلم والقهر والطغيان الذي وقع عليه طيلة ثلاثين عاماً، بلي إنهم لم ييأسوا، وستظل أذنابهم تعمل في كل مكان من ارض مصر، وأن اسلحتهم وأموالهم المخبأة لن تنفد سريعاً، ولا تقل لي إنهم برءاء من مهزلة احداث العباسية، ولا تقل لي إن الثوار ليسوا علي حق وإن ما يطالبون به هو الباطل، ألا إنهم ثوار لا نمن عليهم ان ايدناهم وساندناهم، وإنهم مهما دار من جدل حولهم أكبر وأجل من أن يكونوا خونة يريدون بهذا الوطن شراً، إن الثورة دائرة، مستمرة حتي يتم تطهير بلادنا من الآفات التي اصابتها وأعادتها الي الوراء وأخرتنا في ذيل الأمم والشعوب، وليس يجدي في المرحلة المقبلة ذلك الخطاب السابق الذي بلي من كثرة تكراره ومله الناس فأصموا دونه الآذان، وها نحن الآن نمتلك من سنة نبينا العظيم قانوناً يمكن أن نقيم للغادرين ألوية به في الحياة الدنيا، حتي ولوخذلنا قانون الغدر، فلدينا آية من آيات الله العادل، سوف تكون شاهدة علي كل ما لاقاه الشعب من ثبور علي يد العصابة التي اختطفت مصر من حضن شعبها، أما الثورة فهي مستمرة ومندفعة الي المستقبل مهما حاول ان يوقف زحفها أي حائط في السبيل. دفتر أشعار الثورة لن أتوقف عن زحفي لن أسأم من جرحي المفتوح ولن أسكت من جوع أو خوف لن ترديني يا صوت الماضي أو تجعلني اتنازل عن هدفي اني مرهون لك يا وطني روحي، أشلائي، مستقبل ابنائي لن اتنازل ابداً حتي ألقاك مهاباً مزهوا بي، أو ألقي من دونك حتفي