مازال الموت قادرا علي إثارة الدهشة، علي المباغتة، مهما تصورنا اننا اقتربنا من جوهره، وأننا نتعايش معه، الأسبوع الماضي رحل مصطفي نبيل، وهو أحد القلائل الذين يتطابق فيهم الاسم بالتكوين، كلمة نبيل تلخصه تماما، نبيل في سلوكه الاخلاقي والمهني والسياسي غاب فجأة تماما كما غاب جلال السيد أحد النبلاء الذين رافقتهم لسنوات طويلة، نام وهو دون الستين ولم يستيقظ حتي الآن، عرفت مصطفي منذ حوالي نصف قرن، تأثرت به، بشخصه بتكوينه، كان من أخلص ابناء المهنة، صحفيا حقيقيا، حتي بعد ان اصبح رئيسا لتحرير مجلة الهلال العريقة ظل يمارس عمله كصحفي يتدرب، أقابله صدفة في ميدان باب اللوق واسأله عن وجهته فيقول إنه ذاهب لاحضار مقال لمصطفي درويش او غيره.. في الهلال حرص ان يعود بالمجلة إلي تقاليدها الاصيلة، مجلة للثقافة الوطنية الحرة والقومية، كانت الهلال احد اهم عناصر قوة مصر الناعمة، حضورها امتد في عصرها الذهبي إلي امريكا اللاتينية خلال عصر مؤسسها جورجي زيدان ومن تلاه، وفي العقود الاخيرة استعادت مجدها أيام كامل زهيري ورجاء النقاش ومصطفي نبيل، لكل من هؤلاء ميراثه ورؤيته، مصطفي نبيل وازن بين المادة الصحفية والثقافية، كان متأثرا بأستاذه العظيم احمد بهاء الدين الذي سافر إلي الكويت ليرأس مجلة العربي العريقة في إحدي مراحلها الذهبية، حول مصطفي روايات الهلال إلي منبر للادب العربي والعالمي، اما اعداد كتاب الهلال التي اصدرها فلا يمكن الاستغناء عن عدد منها، وكان منحازاً الي الابداع الجميل، يضيق بالنفوس الضعيفة والمواهب الضحلة، وكان ذواقة رائعا للابداع الجميل، يقرأ للقراءة، ويستمتع بالفن التشكيلي لتكوينه، وما تزال جولاتنا بصحبة صديقه الحميم احمد ماهر وزير الخارجية الاسبق ماثلة في ذهني، لعدة أعوام كان موعدنا صباح الاربعاء مقدسا، ويمكنني القول انه ما من حجر له قيمة إلا وتوقفنا عنده وحاولنا فهم اسراره، كان مثقفا حقيقيا في تواضع، خادما للحياة الثقافية في انكار ذات، كارها للفساد والقبح، نبيلا مثل اسمه، مصطفي نبيل.