نشرت هنا يوم الثلاثاء قبل الماضي أن الدولة أنفقت أكثر من أربعة ملايين ونصف المليون جنيه علي تصميمات هندسية لمشروع إقامة مدينة للعلوم كانت قد بدأته أكاديمية البحث العلمي ، وفجأة انتقلت ملكية المشروع إلي مكتبة الإسكندرية ، وفجأة ألغي مدير المكتبة هذه التصميمات وشرع في إقامة مسابقة جديدة للمشروع ذاته. هناك عدة أسئلة تطرح نفسها في هذه الوقائع ، منها : لماذا انتقل المشروع أصلا من أكاديمية البحث العلمي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلي مكتبة الإسكندرية ؟ ولماذا ألغي مدير المكتبة مشروع الأكاديمية بعد أن انتقل إليه ؟ بحثت عن إجابة السؤال الأول في الأوراق الرسمية فلم أجد أي مبرر رسمي معقول أو غير معقول . وأنا أرجو وأطلب هنا من الأستاذين الدكتورين / رئيس أكاديمية البحث العلمي ، وهاني هلال وزير التعليم العالي والبحث العلمي في ذلك الوقت الرد علي هذا السؤال : لماذا انتقل مشروع مدينة العلوم من الأكاديمية إلي مكتبة الإسكندرية ؟ أما الإجابة غير الرسمية ، ولكنها الحقيقية كما أعتقد وكما تدل علي ذلك الشواهد ، فهي رغبة الدكتور إسماعيل سراج الدين الشخصية في الاستحواذ وتوسيع مناطق نفوذه . فأنا أعرف شخصيا أنه يشعر أن مكتبة الإسكندرية صغيرة عليه ، وهو محق في ذلك . فالرجل الذي عمل في البنك الدولي ، ورشح نفسه لرئاسة اليونسكو أصبح مديرا لمكتبة حتي وإن كانت مكتبة عظيمة القدر والقيمة كمكتبة الإسكندرية . كنت أتابع من روما ، أثناء رئاستي للأكاديمية المصرية للفنون هناك ، أنباء التغيير الوزاري الذي حمل مفاجأة كبري وهو تعيين الدكتور أحمد نظيف رئيسا للوزراء . ومن اتصالاتي الشخصية علمت أنه تم ترشيح الدكتور سراج الدين لمنصب وزير فرفض ، وقال ، والعهدة علي الراوي ، أنه أكبر من وزير ، وليس أقل من رئيس وزراء . ويستطيع سراج الدين تكذيب هذه المعلومة فهي لا تقلل من شأنه علي كل حال . الوزارة تأتي وتذهب . لكن مكتبة الإسكندرية تأتي ولا تذهب . وبخاصة وأن كل الترتيبات قد اتخذت لكي لا تذهب : من تفصيل قانون وقرار جمهوري إلي تفصيل المجالس الضامنة للأبدية.. ومشروع مدينة العلوم ليس أول مشروع تستحوذ عليه المكتبة من خارجها . فيكفي أن يؤشر المدير ليستجاب له . أول مشروع استحوذت عليه المكتبة من خارجها ، علي ما أذكر ، هو "مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي " . عاصرت فكرته وبداية إنشائه مع الأستاذ الدكتور فتحي صالح بعد أن عاد من عمله كمستشار ثقافي لمصر في باريس . وفتحي زميل أكبر ، أو أستاذ ، للدكتور أحمد نظيف في كلية الهندسة جامعة القاهرة . عندما عين نظيف ، وزيرا للاتصالات عرض عليه فتحي مشروع المركز فرحب به الوزير وأنشأه ليتبع وزارة الاتصالات. بل وخصص له مبني في القرية الذكية . وفجأة ، وبقدرة سراج الدين ، صدر أمر رئاسي يحول تبعية المركز من وزارة الاتصالات إلي مكتبة الإسكندرية ، وفرض الأمر الرئاسي علي الوزارة أن " تدعمه " . طيب المكتبة في الإسكندرية والمركز في القاهرة ، فما الداعي لهذه " الشحططة "؟ تكرر السيناريو نفسه تقريبا مع قصر أنطونيادس وحديقته الكبيرة 50 فدانا - في الإسكندرية ، وهما مسجلان آثارا . صدرت الأوامر في مايو 2006 لتنتقل تبعيتهما من المحافظة إلي المكتبة . والحديقة تحتوي علي نباتات نادرة ، فأصبح علي المكتبة أن ترمم الآثار وترعي النباتات . أعلنت المكتبة أنها ستخصص القصر لإقامة المعارض والأنشطة الثقافية . وكأن مبني المكتبة الضخم الفخم لا يكفي لإقامة المعارض والأنشطة الثقافية ! وتعاقد مدير المكتبة علي مشروع ترميم قصر أنطونيادس بتكلفة 9 ملايين ونصف المليون جنيه بالأمر المباشر . قانون الحكومة لا يسمح بالأمر المباشر بهذا المبلغ . لكن قانون سراج الدين يسمح ونصف . ليس هذا فقط ، بل إن الطرف الثاني في العقد هو المكتب الاستشاري لمدير مركز دراسات الإسكندرية والبحر المتوسط بالمكتبة ذاتها !! "إديني عقلك " . أما أحدث المراكز التي استحوذت عليها المكتبة فكان " بيت السناري " الذي هو في حارة مونج بالسيدة زينب بالقاهرة وليس بالمرسي أبو العباس . فهذا المركز يحتل أحد المباني الأثرية التي كانت تابعة لوزارة الثقافة . وقد انفق عليه المجلس الأعلي للآثار أموالا كثيرة في ترميمه والحفاظ عليه . وحولته الوزارة إلي أحد مراكز النشاط الثقافي ضمن خطتها في هذا المجال . وفجأة ،وبقدرة سراج الدين في توسيع دولته ، انتقلت تبعية هذا البيت إلي مكتبة الإسكندرية لتطلق عليه " بيت العلوم والثقافة والفنون " . ليحتفل مثلا بمجلة " تراث " التي تصدر عن "نادي تراث الإمارات " ؟؟! وتسند إدارته إلي مدير إدارة الإعلام في المكتبة بالإضافة إلي عمله. فيقوم هذا المدير برحلات مكوكية من الإسكندرية للقاهرة علي حساب المكتبة طبعا ، وكأنه ينتقل من السيدة زينب للحسين عملا بأغنية عبد المطلب !! والأخ محرك آلة سراج الدين الإعلامية ، والذي قوي لغته الإنجليزية في لندن خلال 3 شهور علي حساب المكتبة ، ليس حالة فريدة في الرحلات المكوكية بين الثغر والعاصمة لموظفي المكتبة . وأنا أرجو من الأخ يحيي رئيس مالية المكتبة الذي رد عليَّ بثقة بأنه ليس في المكتبة ما تخفيه بأن يظهر لنا ما دفعته مكتبة الإسكندرية لفنادق القاهرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة علي سبيل المثال ، ومن كان ينزل في هذه الفنادق. وأنا أتساءل : هل قام مشروع المكتبة، وبدأت الحملة الدولية التي رعاها اليونسكو لإنشائها ، من أجل مركز الدكتور صالح وقصر أنطونيادس وبيت السناري ؟؟ والسؤال الأهم : أليس في مصر من يحاسب علي كل هذه الوقائع؟