في عهد الفراعنة حذر حكماء المصريين الناس من السخرية بالمعوقين كل يوم نري مصر تمضي قدما وكل يوم نفتخر بمصر العربية أم الدنيا مصر العطاء مصر القوي مصر الجيش والفن والأدب والموسيقي، مصر السباقة في كل طيف من ألوان الدنيا، مصر الانتصار علي الارهاب، مصر المقاومة والتغلب علي الصعاب، وها هي الآن حصن ضد كل معتد ومخرب في ظل قيادة وطنية حكيمة حاسمة ومنتمية. الحمد لله أن مصر قد نجت من تداعيات ثورة الربيع العربي وما خلفته من أزمات طاحنة في أقطار عربية عديدة، ولعل اعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن 2018 عام متحدي الإعاقة من ذوي الاحتياجات الخاصة أحد تجليات هذه النجاة المشرفة لمصر وأهلها ووطنها العربي. فمشاركة المجتمع المصري بكافة طوائفه مع متحدي الإعاقة علي اختلاف ظروفهم ونوع اعاقتهم، تمثل مفخرة لمصر وللوطن العربي وتعكس قدرات مصر دائما علي التحدي مصداقا لشعار »بالتحدي نستطيع»، فمصر دائما تستطيع فعل الكثير وتحدي الكثير مثلما كانت طوال تاريخها وحضارتها. مما يؤكد حرص مصر علي رعاية متحدي الاعاقة وتوفير الرعاية المستحقة لهم، ولعل مشاركة الخبراء والمتخصصين من مصر، وفنلندا، وروسيا، وزامبيا، وسلطنة عمان، وتونس، وليبيا، والعراق وإيطاليا في فعاليات المؤتمر الدولي لمناقشة »دور الجامعات المصرية في دمج متحدي الاعاقة في الجامعات والمجتمع، بحضور معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورؤساء الجامعات المصرية، وكوكبة من النجوم البارزين من متحدي الإعاقة بمصر والعالم، تمثل فرصا كبيرة للجميع للتعرف علي تجربة مصر الرائدة في هذا المجال والافادة منها بجانب تبادل الخبرات العلمية بين ممثلي الدول المشاركة بما يعود بالخير علي متحدي الإعاقة في العالم كله. مصر والعراق تجارب حضارية هذا العمل المشرف من أجل نصرة حقوق متحدي الاعاقة في مصر عبر هذا المحفل، أعادني إلي التجارب الحضارية القديمة لكل من مصر والعراق رعايتهما لذوي الاحتياجات الخاصة، حسبما برهنت علي ذلك الحفريات التاريخية القديمة، فقد اشارت كتب التاريخ إلي أنه عثر في جدار معبد مصري قديم علي رسم عمره 5 آلاف سنة لطفل فرعوني مشلول الساق قال عنه المختصون في الطب إنه إشارة إلي مرض شلل الأطفال. وعرفت مصر القديمة كيفية التعامل مع المعاقين منذ القدم، حيث كان المجتمع الفرعوني أول من عرف دعم الاسرة ورعاية الطفولة والمعوقين، ففي عهد الفراعنة حذر حكماء المصريين الناس من السخرية بالمعوقين، ومن أمثلة ذلك قول »أمنموبي»: »لاتسخر من أعمي ولاتهزأ من قزم ولاتحتقر الرجل الأعرج ولا تعبس في وجههم، فالانسان صنع من طين وقش، والله هو خالقه وهو القادر علي أن يهدم ويبني كل يوم». كما سجلت الحضارة العراقية نماذج لرعاية متحدي الاعاقة، حيث تذكر المصادر التاريخية انه في العهد الآشوري والبابلي سجل حمورابي قوانين الجزاء والعقاب علي قوالب الطين، كما سجل عليها طرقا لعلاج مبتوري الأطراف وفاقدي البصر. بينما عكست مجتمعات روما وإسبارطة قديما معاناة المعاقين من الاضطاد والازدراء والاهمال، فقد كانوا يتركون للموت جوعا نتيجة للمعتقدات الخرافية بحقهم والتي كانت سائدة آنذاك، حيث إن الأعمي ظلام والظلام شر والمجذوم هو الشيطان بعينه ومرضي العقول هم أفراد تقمصهم الشيطان والأرواح الشريرة، بل إن تراث الإغريق وفلسفتهم ونظرتهم للحياة الاجتماعية وقوانين »ليكور جوس» الإسبرطي و»سولون» الاثيني كانت تسمح بالتخلص ممن بهم نقص جسمي، كما أعلن »أفلاطون» و»أرسطو» موافقتهما علي مثل هذا العمل لأنهم فئة تشكل عبئا علي المجتمع. وإذ إنني أهنيء مصر وشعبها بصدور قانون الاشخاص ذوي الاعاقة، لأنه يحمل في طياته توفير حماية شاملة، واتاحة الفرصة لهم للجمع بين معاشين والمرتب بدون حد أقصي، وجعل نسبة 5٪ في الوظائف ملزمة للجهات الحكومية وغير الحكومية وقطاع الأعمال. ومعاقبة صاحب العمل أو المسئول عن الجهة الممتنع عن تنفيذ نسبة 5٪ من الوظائف بالحبس ستة أشهر إلي سنتين وبالغرامة عشرة آلاف جنيه إلي ثلاثين ألف جنيه. وفي تقديري أن هذا القانون مشرف خاصة في مواده العقابية، أتمني أن يكون هذا القانون محل تطبيق عملي علي الارض، وان تستفيد منه الدول العربية. انعكاسات الحروب ورغم انتشار التشريعات القانونية في بلادنا العربية لتوفير الحقوق الانسانية لمتحدي الاعاقة، الا ان معظم هذه التشريعات تصطدم بتحديات كثيرة منها ثقافة اجتماعية تقلل من شأنهم وتبعدهم عن الاندماج في المجتمع، ونتيجة ظروف اقتصادية طاحنة في بلاد عربية أخري وظروف حروب وصراعات ونزوح في أقطار ثالثة. ومجمل هذه التحديات تؤثر بقسوة علي حقوق متحدي الاعاقة وعلي حياتهم، منها تدني الرعاية الصحية الخاصة بهم، ومعاناتهم من سوء فهم حاجاتهم الخاصة التي تشمل سوء التغذية، وصعوبة توفير العلاج المناسب لحالاتهم المرضية، كما يواجهون مشكلات في التعليم بسبب قلة عدد المدارس الخاصة بهم، والصعوبة في دمجهم مع سوق العمل، باعتبارهم من اكثر الفئات الاجتماعية التي تتعرض للتهميش خاصة في القري والأرياف والمناطق الفقيرة، فظرو ف الحروب التي تمر بها الدول العربية في العراق وسوريا واليمن وليبيا قد ضاعفت من معاناة هذه الفئة الاجتماعية بسبب نقص الموارد المالية اللازمة لرعايتهم وشح الموارد اللازمة لاستمرار مراكز رعايتهم في هذه الدول بصفة خاصة. فقد ساهم استمرار الحرب باليمن في زيادة معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث توقفت معظم الجهات الداعمة لهم، وعجزت مؤسسات رعايتهم بسبب شح الموارد المالية وانقطاع الدعم من العديد من الجهات، بل إن كثيرا من هذه المؤسسات باتت تحذر من كارثة الاغلاق مما يهدد مصير هذه الفئة المغلوبة علي أمرها والتي تشكل نسبة كبيرة من شرائح المجتمع اليمني. أما الوضع في العراق، فقد تدهور لفئة متحدي الاعاقة نتيجة عوامل والعقوبات المطلوَّلة الاقتصادية ومن تأثيره بالسلب علي المنظومة الصحية وتداعيات الحروب وكثرة النازحين العراقيين والآخرين من الدول المجاورة والتي رفعت معدلات الاعاقة الناتجة عن الحروب والألغام. ويجد القطاع الحكومي صعوبة بالغة في تغطية احتياجات اصحاب هذه الاعاقات، فضلا عن تنامي اعداد الأطفال المصابين بالشلل الدماغي نتيجة تراجع الخدمات في حقلي طب التوليد والعناية بحديثي الولادة. لا توجد بالعراق بيانات رسمية دقيقة حول أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة، لكن التقديرات الأولية لدي هيئة رعاية ذوي الاعاقة تشير إلي أن أعدادهم تبلغ نحو أربعة ملايين معاق، بينما أثرت أزمة النزوح والموازنة العامة بالعراق، سلبا بشكل كبير علي توفير الرعاية اللازمة لذوي الاحتياجات الخاصة. ورغم هذه التحديات فإن قانون هيئة رعاية ذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة بالعراق رقم 38 لسنة 2013 قد وفر امتيازات مهمة منها المادة 19 وهي شمول الموظف بإجازة المعين المتفرغ. كذلك المادة السابعة تشير إلي تخفيض تذاكر السفر الجوي لذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة بمقدار 50٪ لمرتين في السنة الواحدة. ومنحت المادة »17» اعفاء نسبته 10٪ من مدخولاته من ضريبة الدخل. وأيضا المادة 18 تعفي من الضرائب والرسوم ووسائل النقل الفردية والجماعية الخاصة بذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة اذا كانت مستوردة منهم مباشرة أو من الهيئة ويحدد الاعفاء بعد مرور 5 سنوات قبل شراء سيارة أخري. وتقوم هيئة لرعاية ذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة، وهي هيئة مستحدثة عام 2014 وتتبع وزارة العمل والشئون الاجتماعية العراقية، بتفعيل بعض بنود القانون الخاص بهذه الشريحة لدعمها ومساعدتها في الحصول علي قروض ميسرة وتخفيض تكاليف وسائل النقل فضلا عن الاعفاء الضريبي، واعطائها نسبة من التعيينات في وزارات الدولة. ويقضي القانون الخاص بشريحة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة بتخصيص راتب لا يزيد علي 180 ألف دينار لمن يقوم باعالة المعاق اذا كان غير موظف، فيما يعطي القانون الحق للموظف بأخذ إجازة من دائرته براتب كامل لمدة سنة. كما أن القانون يوفر أيضا للمعاق مقعدا في الدراسات العليا بالجامعات العراقية. لكن كل هذا لا يكفي في تأمين احتياجات متحدي الاعاقة بالعراق الذين يحتاجون لرعاية خاصة جدا، وهو ما يجعل قضيتهم قضية مجتمعية شاملة، تحتاج إلي وضع تشريعات خاصة بهم من مسار ثقافي انساني عام يناقض التمييز ضدهم بنشر ثقافة بالمساواة بينهم وبين أفراد الأسر العاديين. وحفز المجتمع علي إلغاء كلمات »أخرص أبكم أصم معتوه» من مفرداته اليومية في تعامله مع متحدي الاعاقة، وهنا يتجلي دور المؤسسات التعليمية والتثقيفية والاعلامية والدينية في نشر خطاب المساواة بين أفراد المجتمع. وإذا كانت الامكانيات الاقتصادية للدول التي لاتزال تدفع فاتورة الحرب اقتصاديا مثل العراق مقصورة علي التوسع في اقامة مراكز متخصصة لرعاية ودمج متحدي الاعاقة في المجتمع حاليا. فإن المجتمع المدني بالتعاون مع أهل الخير ورجال الأعمال ينبغي أن يتكاتفوا من أجل إنشاء هذه الدور المؤهلة لذوي الاحتياجات الخاصة. وفي تقديري أيضا ان المجتمع الدولي والمؤسسات المعنية بالطفولة كاليونيسيف مطالبة بمساعدة العراق الذي تضرر من جراء الحروب في تقديم يد العون لدعم برامج تقديم الخدمات التربوية والتدريبية والتأهيلية والتعليمية والصحية لمتحدي الاعاقة. وفي تقديري أيضا ان التشريعات القانونية بشأن متحدي الاعاقة بالعراق لايزال قاصرة عن بلوغ الأهداف الرئيسية في رعايتهم، وأتصور اننا بالعراق في أشد الحاجة إلي سن تشريعات جديدة تؤمن وسائل نقل عام خاصة بهم. مع منح الفرص لهم للتدريب علي القيادة وحصولهم علي رخص القيادة بسهولة ليكونوا أشخاصا معتمدين علي أنفسهم. وتدريبهم علي مهن معينة وفق قدراتهم الخاصة لتكون مصدرا للدخل بما يطور حالاتهم النفسية والاجتماعية. تحية وتقديرا لجامعة المنيا علي تنظيمها حدث أسبوع شباب الجامعات متحدي العاقة لإبراز قدرات ومواهب متحدي الاعاقة بالجامعات المصرية المشهود لها بالعراقة والأصالة والتحدي العلمي. والشكر موصول بصفة خاصة لفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي لرعايته ذوي الاحتياجات الخاصة، ولدعوته الكريمة بأن يكون عام 2018 عاما لمتحدي الإعاقة، من أجل بذل كل المؤسسات المصرية قصاري جهدها في دمجهم واشراكهم في المجتمع كحق إنساني أصيل. كما أن لدعوة فخامة الرئيس المصري وتكريسه الإنساني لحقوقهم في العيش بعزة وكرامة وتقدير مجتمعي وبتجلي أعلي معاني الإنسانية في الحفاظ علي كرامة وحقوق فئة متحدي الإعاقة الذين يعانون من التهميش والتقصير بحقوقهم في مناطق مختلفة من عالمنا العربي بسبب ويلات الحروب الداخلية. • أديبة عراقية