القمح مشكلة.. مشكلة كبيرة بدأت منذ سنين طويلة ومازالت مستمرة ولا تباشير علي حلها في القريب.. المشكلة أن القمح ليس سلعة عادية وإنما هو الاساس للأمن الغذائي الذي ظل المسئولون يلوكون شعاره طوال ثلاثين عاما. القمح اصبح مشكلة انطلاقا من حقيقة منطقية تقول ان الشعب الذي لا يملك طعامه هو شعب لا يملك حريته.. الغريب أن القرآن الكريم طرح هذه القضية منذ نزل الوحي علي الرسول صلي الله عليه وسلم وطرح القرآن للقضية لم يأت موجزاً أو مختصراً مثلما أكد كروية الأرض في ثلاث كلمات بقوله تعالي »والارض بعد ذلك دحاها« وإنما أنزل تعالي سورة كاملة هي سورة يوسف والسورة لو تأملناها لعرفنا الكثير مما كان يجب ان نعرفه وما يجب اليوم أن نعرفه.. المغزي الأول هو أهمية القمح كسلعة.. فالقمح ليس كغيره من ألوان السلع وإنما هو صمام الأمان لتجنب المجاعة في أي أرض ولأي شعب وعندما تم تنفيذ ارشادات القرآن الكريم علي يد يوسف عليه السلام نجت مصر ونجت المنطقة كلها من المجاعة الفتاكة التي تعرضت لها شعوب الشرق الاوسط والقرآن الكريم لم يشر فقط إلي أهمية القمح وإنما رسم الطريق السليم لتخزين هذه السلعة الهامة ولسنوات طويلة فقال تعالي »قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون« صدق الله العظيم. إذن ترك القمح في سنابله دون تحويله إلي دقيق يمكن أن يحفظه سليما لسبع سنوات وهي سنوات المجاعة التي مرت بمصر في تلك الفترة وليت العلماء الذين يعكفون اليوم علي وضع خطة لانشاء صوامع ومخازن يبحثون مدي إمكانية حفظ القمح في سنابله فلا شيء في القرآن يأتي عبثا. والتجربة التاريخية أكدت أن سيدنا يوسف قام بتخزين القمح بهذه الطريقة وظل سليما دون أن يلحقه تلف.. القمح والقمح وحده إذن هو اساس الأمن الغذائي المنشود.. وترك القمح في سنبله هو الطريقة المثلي للتخزين.. هكذا قال القرآن وهكذا أكدت التجربة والتاريخ.. وقد تعلمت كل شعوب الأرض من ذلك إلا نحن.. روسيا ستالين ادركت ان القمح هو ضمان الحرية وأصبحت أوكرانيا منجم القمح لروسيا وللكثير من الدول ومنها مصر.. وقد حدث ذلك بقرار بسيط جدا من ستالين.. أعلن أن القمح مهم وأعلن أن أوكرانيا تصلح لزراعته واحضر وزير الزراعة وحدد أمامه الخطة لانتاج كمية محددة في مدة محددة وفشل الوزير في تحقيق وعده فأعدمه.. ومنذ ذلك الحين وأوكرانيا تزيد إنتاجها عاماً بعد عام.. في أمريكا اصبح القمح سلاحاً أخطر من القنابل والصواريخ والدبابات.. وهو سلاح تستخدمه أمريكا لإذلال شعوب وربطها ربطا ذليلاً بسياستها وقد وجدت في القادة العملاء من ساعدها علي ذلك وكانت سياسة أمريكا تقوم علي محورين.. نسف أي جهود وطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح.. وتقديم القمح بعد ذلك لمن يخضع لشروطها ويحني رأسه لقراراتها وقد نجحت في تحقيق ذلك في مصر إلي درجة فاقت كل أحلامها. وكانت أمريكا تعرف تماماً أن الشعب أي شعب قد يستغني عن الصاروخ ولكنه لا يمكن أن يستغني عن الرغيف. وأصبحت مصر التي صمت العالم من المجاعة بفضل قمحها متسولة ذليلة للقمح الامريكي المشروط والقمح الأوكراني الفاسد.. ان القمح ليس مجرد طعام للانسان وإنما هو مصدر مزدوج فدقيقه طعام للانسان وغلافه طعام للماشية والدواجن.. والماشية بدورها هي مصدر للبن والجبن والسمن واللحم والدواجن للحم والبيض من هنا تأتي أهميته التي أثق تماماً أن كل من تتابعوا علي وزارة الزراعة في مصر يدركون ذلك ويعرفونه ولكن اما انهم كانوا عملاء واما انهم كانوا عبيدا للعملاء الكبار.. لم يعد مقبولاً أن تستورد مصر القمح.. لم يعد مقبولاً أن يبقي غذاء المصريين في يد غيرهم لأنهم بذلك يرهنون حريتهم في أيدي الآخرين.. لم يعد مقبولاً أن ننسي أو نتناسي أو نهمل اهمية هذه السلعة وأن نتصدي للمشكلة بأسلوب السلحفاة وخطة خمسية وأخري عشرية وتعليق الاسباب علي شماعة مياه النيل.. إن علينا أن نزرع كل أرض كل صحراء كل مساحة خالية بنبتة فيها حياتنا وحريتنا وخلاصنا.. ان علي وزارة الزراعة أن تضع كل جهودها وفكرها وإمكاناتها في هذا الاتجاه.. نريد الاكتفاء الذاتي من القمح اليوم قبل الغد.. نريد حملة قومية فعالة لحل هذه المشكلة فهي في رأيي مشكلة حياة ومستقبل شعب.. ومصير وطن. ولله الأمر