الكتابة عن الأحياء مشقة، فلم يجتمع الناس علي شخص، دوما هناك رافضون وكارهون وحاسدون وموتورون، ولكنها، أي الكتابة عن الأحياء، واجب ويستوجب طالما في القلب مساحة حب وعذرنا أن في وجهنا نظر. أكتب عن الأستاذ صلاح منتصر الكائن في الصفحة الأخيرة من الأهرام العريقة، صاحب »مجرد رأي»، الكاتب الكتوبة الذي يكتب عن الجمال، يحب الجمال ويستعذب آياته، ولا يجد غضاضة أن يقول للجميل.. انت جميل ويتمعن في خصاله الجميلة. قلمه رقيق المشاعر، يعطف ويراعي الخواطر، ويلمس الجروح لاينكؤها، ويرطب الحرور لايمدها بحطب الحريق، لا يعيبه إلا زملكاويته إذا كان هذا عيبا، وأعلم من صديقه اللدود زاهي حواس انه بات يشجع الأهلي سرا، ومؤقتا، حتي تزول الغمة عن البيت الابيض، عاشق للملكي الاسباني (الريال)، وفي عشقه للملكي قلبه ابيض يتفهم ملامة جمهرة للبارسا الكتالوني العريق، فارس ابيض في جمع من الفرسان الحمراء، ولكنه يستحوذ علي قلوبهم جميعا بقلبه الأبيض. وابيض الشعر منه، ولكنه يتمتع بشباب الروح، روح طيبة، لايضمر شرا ولم أره يوما يتأبَّط شرّاً، ولم يفتر حبه للحياة أبدا، لايزال ممسكا بقلمه، منكبا علي فكره من فيض خاطره، يصوغ أفكاره بأبسط العبارات وهي موهبة فريدة، لا يميل إلي التقعير فيلغز، أو يستهويه غريب اللفظ فيستغربه البعض، أو يستخرج مطمورا من اللغة فيحتاج البعض لمعجم لفهم ما استغلق عليه، بسيط، هادئ، كتابته كالقطيفة الناعمة، لا يجهد القارئ أبدا، السهل الممتنع. فقدت في رحلة التعلم جليلين، الفيلسوف الكبير أنيس منصور والساحر الرائع أحمد رجب، وكنت أجلس بين أيديهما أتهجي حروف الكلم، وتبقي الأستاذ صلاح مرشدا وهاديا ومعلما، اللجوء إلي العم صلاح في أعقد العقد يعني حلها تماما، لا تستعصي عليه مشكلة يخضعها لعقله الموزون، يتمتع بهدوء داخلي خلوا من تشويش الصراع والاحتراب والاقتتال، يضحك في قلب معركة الحياة من قلبه، كيف درب نفسه علي فضيلة الهدوء، موهبة عم صلاح في احتواء عواصف الحياة، وياما دقت علي الرءوس طبول، ولكنه ثابت الجنان. دروس العم صلاح منتصر كثيرة، وأهمها راحة العقل التي هي من راحة البال، لا يجهد عقله فيما لايستحق، ولا يشغل باله بالتفاهات، ويضحك ملء شدقيه علي مزحة بسيطة، وإذا اعجبته فكرة سوقها بين الفرسان، وهم خلاصة الخلاصة من رجال هذا الزمان، يتجمعون كل حين علي المحبة والصفاء دون غرض أو هوي، حار البعض في توصيف الفرسان كجماعة، فقلت لهم ليسوا كمثل » فرسان مالطة » الغامضين، ولكنهم فرسان مصر الخلصاء، وفارسهم المعتبر صلاح منتصر يجلس بينهم كمثقف القرية زمان يشتري الجورنال ليقرأ للأحبة ما تيسر من سيرة أهل مصر. حتي ساعته يجلس علي مكتبه كراهب بوذي منكبا علي سطوره التي ينتظرها قراء الأهرام كل صباح عبر زاويته الشهيرة »مجرد رأي» التي تزين الصفحة الأخيرة من العريقة الأهرام، بوركت فارسنا الأبيض، دعاء من قلوب جماعة الفرسان الحمراء.