عندما دخلنا قسم الرياضيات في المرحلة الثانوية، كان الجميع يحدثنا علي أننا سنكون مهندسي المستقبل الذين سيبنون مساكن للعباد ويعمرون البلاد، وكنا نتعلم رسم المنظور المعماري ونحاول تنفيذه بشكل حالم، ولا مانع من إضافة ناس وشجر وظل ونور للبيت، وكل هذا من منظور عين طائر يحلق عاليا من السماء، لتصبح رؤيتنا من الأعلي للأسفل بغرض إعطاء فكرة متكاملة عن المنزل الذي نريد تصميمه وبذلك نعبر عن الأفكار التي نحاول تحقيقها من خلال هذا الرسم.. وحتي لاتفوتنا كلية الهندسة دخلنا امتحان القدرات لمادة العمارة، وحصلت أنا علي الدرجات المطلوبة ولكن جاءت الكلية في محافظة بوجه قبلي، وهنا اعترض الأهل بسبب بعد المسافة، وكان المنظور المعماري الذي رسمته في هذا الامتحان هو الأخير في حياتي، وقد اكتفيت من العمارة بأن كنت أذهب لأختي في قسم عمارة بهندسة القاهرة لأساعدها في المشاريع وذلك بأن أقوم بالتهشير والاستكة وكان هذا العمل يحتاج من طلبة عمارة جهدا كبير في ذلك الوقت.. أما في قسم الصحافة بكلية الإعلام تعلمت كيف أكون صحفية تحمل رسالة ولديها مشاعر رقيقة تجاه عناصر البناء وأبواب الخير ولذلك لم أتخل يوما عن نظرة الطائر، حيث كنت أري الواقع وكأنني طائر يحلق من فوق، يلتقط الأحداث والأخبار وينتقل من موضوع لآخر بكل صبر وجلد، وكم عانيت في هذا المجال لكن الأمل كان دافعي الأول والوحيد للاستمرار به، فقد وهبني الله سبحانه وتعالي قوة كبيرة تساعدني علي الطيران والتحليق، ورزقني كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا، تسبح بقدرته وعظمته.. وعندما تشتد الأحداث وتنزل المصائب، أجد نظرة الطائر لديّ أصبحت أكثر حدة علي تحليل الموضوعات، وتكوين صورة ذهنية تظهر الحقيقة الغائبة في أغلب الأحداث، لكن الأخبار السيئة من وجهة نظري ليست هي الأخبار الجيدة التي يجب أن يعرفها القراء في معظم الأحيان.